:36_1_33:الأمن الاجتماعي:36_1_33: كتبت بتاريخ نوفمبر 11, 2007 بقلم:د. علي جمعة مفتي الديار المصرية في الأسبوع الماضي حضرت مؤتمر الأمن الاجتماعي بمملكة البحرين الشقيقة, نظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية, تحت إشراف سمو الشيخ عبد الله بن خالد رئيس المجلس, وتحت رعاية كريمة من معالي رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة, وحضره مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين والباحثين, وقدموا أكثر من عشرين بحثا حول مفهوم الأمن الاجتماعي وأهمية الاهتمام به ومؤسساته. وهو موضوع غاية في الأهمية, حيث لابد من الاهتمام بالحراك الاجتماعي اهتماما عمليا ونظريا, وأن ذلك هو المحضن الأساس لكل حراك فكري أو سياسي أو اقتصادي, ولذلك كانت له الأولوية, بل إنه يعد ضابط الإيقاع لكل أنواع تنمية المجتمع. وكان البحث الذي تقدمت به مبنيا على ثلاثة أفكار: الفكرة الأولي: أنه ينبغي علينا أن نضع قاعدة مهمة, وأن نفهمها بعمق, وهي تمثل أهم قواعد التعايش في المجتمع المعاصر, وهي أن الأمن قبل الإيمان, وقد يفهم بعض المتدينين هذه القاعدة على غير وجهها, فيفهم منها مثلا أننا نؤخر ما واجبه التقديم, حيث إن الإيمان هو سبب الأمن, فكيف نقدم الأمن عليه شرعا, وهو مؤخر عنه طبعا باعتباره أنه نتيجة عن الإيمان, والنتيجة تلي السبب, ولا تتقدم عليه؟ حتى قال محمد إقبال في حكمته: إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيي دينا وهو كلام صحيح في نفسه, ويؤيده قوله تعالي: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام:82]. لكن المقصود من القاعدة أنه لا يجوز للإنسان تحت دعوى تحصيل الإيمان أو مقتضيات ذلك الإيمان أن يخل بالأمن, لأنه إذا أخل بالأمن كان ذلك أولا: مخالفا للإيمان, وثانيا: مضيعا للمؤمنين, وثالثا: يضيع الحالة التي يمكن فيها للمؤمن أن يمارس إيمانه, ولذلك نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يرفض الدعوة إلى الصدام, والى إخلال الأمن فيها رفضا تاما, بل ويغضب عندما يوضع الإخلال بالأمن كخيار في مقابلة تطبيق الإيمان, ومن ذلك ما رواه ابن سعد في طبقاته عن العباس بن عبادة بن نظلة أنه قال: قال: يا رسول الله, والذي بعثك بالحق لئن أحببت لنميلن على أهل مني بأسيافنا وما أحد عليه سيف تلك الليلة غيره فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم إنا لم نؤمر بذلك[ طبقات ابن سعد]. ولقد كان يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة المشرفة منصوبة فيها الأصنام, فلم يهدمها ولم يأمر بهدمها, مع أنها محض شرك, وهكذا قدم سيدنا هارون الأمن على مقتضيات الإيمان, وقال لموسي في القصة المشهورة:{قال يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}[ طه:94]. وهؤلاء هم الذين أمرنا الله أن نتبعهم, فقال:{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكري للعالمين}[ الأنعام:90] وهذا أمر يجب أن نتفق عليه, وهو يمثل هاجسا لدى الشباب المتطرف الذي يريد أن يقدم ما تصوره من الإيمان علي الأمن والاستقرار, ولقد امتد هذا الهاجس حتى إلى بعض كتابنا فتراهم يتساءلون إذا ما سمعوا أن شيئا ما حرام, فهل هذا يجب معه أن نغير ذلك المنكر بأيدينا, أليس السكوت على ذلك من باب النفاق؟ وما أتى هذا السؤال إلا للجهل بتلك القاعدة الأساس, والتي يجب أن نفهم معناها على وجهه, وأن نؤكد عليها, وننشر معناها, قال الإمام الغزالي في كتابه[ الاقتصاد في الاعتقاد]: نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا ا هـ. ويقول الماوردي في[ أدب الدنيا والدين]: اعلم أن صلاح الدنيا معتبر من وجهين, أولهما: ما ينتظم به أمور جملتها. والثاني: ما يصلح به حال كل واحد من أهلها. والفكرة الثانية: هي أن الأمن الاجتماعي أمر مركب ومعقد ولابد من منظومة مركبة بإزائه, تشترك فيها الحكومة, وجمعيات العمل الأهلي, والمؤسسات المختلفة[ المدرسة ـ المسجد ـ الإعلام…..] معا, وأن واحدة من هذه المنظومة لا تكفي وحدها, كما يجب أن تكون منظومة شاملة تهتم بالداخل والخارج, ولا يكفي الاهتمام بجانب دون آخر, ومن هنا كان الاهتمام بقضايا العالم جزءا لا يتجزأ من الأمن الاجتماعي, ويتبع هذه الفكرة استعمال التجارب التي نجحت عبر التاريخ كالوقف, والزكاة, والخيرات في القيام بواجب الأمة مع الدولة سويا في مجال الصحة والتعليم والبحث العلمي, والتكافل الاجتماعي من رعاية المسنين, والمشردين, واليتامى, والأرامل, والمعوقين, وشئون الحياة كالفنون والآداب والعمارة والرياضة, وأن أساس ذلك كله سواء على مستوي الفرد أو على مستوي المجتمع أن نعطي السنارة من أجل الصيد لا أن نعطي السمكة من أجل الطعام, ولكن مع ذلك فإن هناك من هو في حد الكفاف وعدم الكفاءة بحيث إنه يحتاج الى الرعاية وإلي السمكة مباشرة. والفكرة الثالثة: هل المطالبة بالمزيد من إطلاق يدي الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخيرية للقيام بدورها, لأن كثيرا من القوانين والإجراءات تعيقها عن أداء واجبها, وفي أمريكا أكثر من مليون ونصف مؤسسة خيرية, لأنهم يكتفون بالتسجيل دون إجراءات التصريح. إن العدل سيؤدي إلى الأمن, والأمن والأمان والإيمان جملة واحدة, قال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}[ النحل:112].وعلى كل حال فالأمن الاجتماعي نعمة من نعم الله سبحانه وتعالي, قال تعالى:{الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}[ قريش:4]. الأهرام 5 نوفمبر 2007:36_1_50: