(الفروق) الفرق بين الاختلاط والخلوة
احتضار المؤمن واحتضار الكافر
الفرق بين المؤمن والكافر عند حضور الأجل؛ أنّ المؤمن إذا حضر أجله وحلّت وفاته، نظر إلى من حوله نظرة إشفاق ورحمة، وكأنّه يصرخ فيهم قائلاً: أفيقوا يا قوم من الغفلة، وتزوّدوا بالعمل الصالح الذي يقرّبكم من الله قبل انتهاء المهلة، واحذروا هاذم اللذات ومفرّق الجماعات. قد أحبّ لقاء الله، فأحبّ الله لقاءه.. صغرت الدنيا في عينه فلم تعد تساوي شيئاً، وعظمت الآخرة في قلبه، فودّ لو أنّه عاش سنين أو أياماً أو ساعاتٍ ليتزوّد بالعمل الصالح لذلك اليوم.
وأمّا الكافر والمنافق فإنّه إذا حضر أجله، وحلّت ساعة هلاكه؛ كبرت هذه الدنيا الفانية في عينه، وازداد بها تعلّقاً، ولها داعياً ومصفقاً، وودّ لو أنّه عُمّر ألف سنة أو أكثر، وظهرت علامات التحسّر على وجهه، ونظر إلى من حوله نظرة حسد وغبطة حيث يرحل وهم باقون، ولسان حاله أو مقاله يقول لهم: يا قوم، جدّوا في دنياكم جداً، وعُبّوا منها عبّاً، فما بعد هذه الدنيا من دار، وما لكم في غيرها من قرار، قد كره لقاء الله فكره لقاءه، فشتّان ما بين الجنسين.
فوارق
الذباب والنحل
الفرق بين الذباب والنحل أنّ الذباب جنس مكروه لا يقع ـ في الغالب ـ إلا على الأوساخ والقاذورات والنجاسات والجروح المنتنة، وما شابه ذلك، ولا ينتج عنه إلا الأمراض والآفات الفتاكة المهلكة، فمَثَله كمثل أهل النفاق ومرضى القلوب الذين لا يقعون إلا على الشاذّ من أقوال أهل العلم والإيمان وأفعالهم مع قلّته، ويَدَعون الطيب منها مع كثرته وتنوعه، فلا ينتج عنهم إلا التهييج والتحريض والتفريق والفتنة، وعليهم ينطبق قول الشاعر:
شرّ الورى بعيوب الناس مشتغل *** مثل الذباب يراعي موضع العللِ
فما أحوج الناس إلى مكافحتهم والقضاء عليهم.
وأمّا النحل فهو جنس محبوب، لا يقع إلا على أطيب ما في الطبيعة وأنظفها من الورود والأزهار والثمار وما شابه ذلك، ولا يُنتج إلا أشهى المأكولات وأطيبها من العسل الصافي الذي فيه شفاء للناس، بل حتى لسعته فيها شفاء، فما مَثَله إلا كمثل أهل العلم والدين والإيمان الذين لا يقعون إلا على أطيب البقاع وأطهرها من المساجد والدور وحِلَق الذكر والعلم والإيمان، ولا يبحثون إلا عن أطيب الأقوال والأفعال المستمدّة من كتاب الله وسنّة رسوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وتجنب أخبثها وأسوئها، فما أحوج الناس إليهم، بل هم الناس، وما سواهم فكالأنعام بل هم أضلّ