كانت الساعة الخامسة والنصف فجراً
حين كنت متوجهاً إلى العمل
ممسكاً بكوب القهوة ومتمنياً لنفسي بيومً رائع
ووضعت في المسجل شريطي المفضل

( سورة الإسراء بصوت الشيخ احمد العجمي )

وحينما بدا صوته يملأني قبل أن يملأ السيارة

سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحرام
إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله

حينها رن هاتفي الجوال

فتناولت الهاتف دون النظر إلى الرقم وما أن قلت:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلا وجاءني الصوت عالياً

وينــك

قلت: في باريس ..
اشتري كرواسون ؟

فقال : تمزح ..
هذا وقته ..
معاك ؟

حقيقة أستغربت لإتصاله ؟
وقلت : حياك الله

فقال : عبد العزيز مات

فقلت : الله يرحمه ويرحم جميع آموات المسلمين
بس مين عبد العزيز ؟

قال : عبد العزيز

فقلت لعلمي بمزاحه الثقيل : يا أخي اتق الله عيب عليك
لا هو وقت مزح ولا ينفع تمزح بهذه المواضيع

قال : والله ما اكذب عليك ..
مات قبل الفجر في حادث سيارة ..
ثم أردف سريعاً حتى لا يعطيني فرصة لتكذيبه :

وإحنا في المستشفى تعال وخلص معنا تصريح الدفن وأوراق المرور لإجل نصلي عليه قبل الظهر ..
ومن ثم أغلق السماعة

لفترة ..
ظل الهاتف على أذني وأنا أفكر ومصدوم منذ يومين رأيته وكلمته بالأمس هاتفياً كان معي وكنت اكلمه

اتصلت بالعمل وطلبت أجازة ومن ثم توجهت للمنزل لتغيير ملابسي وصورته أمام ناظري

وهو في عمر الزهور ..
أذكره منذ صغره ..
ومنذ كنا نشتري دائماً بعض الحاجات في رمضان ..
وهو مبتسماً دائم ..
وكان يسكن بمنطقتنا وتربطني به صلة قرابة عن طريق زوجتي ..
وميزته الكبيرة أنه مرضي لوالدينه بشكل كبير

وكان يحب البحر ، وكل فترة يذهب للصيد أو يأخذ المتنزهين من الصبح حتى المساء في الشمس الحارقة ..

وثم يعود أدراجه في المساء ويسلم الجزء الأكبر من المال لوالده الكبير في السن ثم يخفي جزء لوالدته ..
ويكتفي فقط ببعض الريالات
يشتري الساندويشات وبيبسى

هذه هي حياته وبرنامجه اليومي
يخدم كل الناس ..
ويضحك مع الجميع ..
ويطلع البحر ..

الكارثة الكبرى أنه لا يصلي ..
كلما ناديته للصلاة ..
يقول خير ..
شويه ..
الحقك ..

إن مات احد اعرفه أو لا اعرفه أجدني أتبسم حين أعرف أنه يصلي ..
وإن كان غير ذلك فيصيبني الهم والحزن عليه
فالصلاة عامود الدين إن صلحت صلح معها كل شئ ..
وإلا فالعياذ بالله

توجهت للمستشفى ثم للمرور ثم للمستشفى مرة أخرى ..
وبعد استخراج تصريح الدفن ..
حملناه لمنزل أهله لتغسيله ولم أقوى على الدخول لغسله مع زميل لي لشدة محبتي لهذا الفتى ..
الذي كانت متعته اليومية هي ان يسلم والدينه أجر ما يحصل عليه سواء بصيد السمك أو غيره ..

أصرت والدته أن تراه

وهو موقف شديد ..
أن ترى الأم فلذة كبدها وأطيب أبنائها ملفوفا بالكفن
إلا وجهه حتى تقبله

وضعوه لها في الغرفة ..
ثم أقبلت والدته لتراه
وتقبله مع والده ..
وأخذت تقبله ..
ثم تشمه لتملأ نفسها من رائحته قبل وداعه ..
ثم تذرف الدموع الغالية ..
وأخذت تنادي عليه ..
بل وترجوه أن يرد عليها ..
وتسأله لما لا ترد ..
منذ متى يا عبد العزيز تتأخر في ردك علي ..
ثم تقبله من جديد ..
حتى بللت خديه من الدمع ..
وقطعت القلوب من نحيبها ..

وبعد أن أخذوا والدته عنه ..
ذهبت إليه لأودعه ..
متوجساً ومرتعباً من أن أرى وجهاً مسوداً عبوساً
يملأه الخوف والرعب ..
وجسداً متيبساً
وهذه من علامات تارك الصلاة

وكم كانت المفاجأة قوية بالنسبة لي

اقسم بالله أني رأيت حالة عجيبة من النور في وجهه
بسماكة سنتيمترات
وضحكة تذكرني به عندما أراه

ذهبت إلى الركن وجلست أفكر
كيف هذا النور وهو تارك للصلاة
صعب أن اصدق
ثم ذهبت إليه ثانية وتحققت لعلي كنت موهوماً
ولعلنا وضعناه في مقابلة الضوء
ولكن مستحيل
هذا نور في الوجه
اعرفه في وجوه المصلين
وابتسامة تراها في هي أقرب للضحك من التبسم

أخذتني الحيرة ..
إلا الصلاة ..
فالقرآن والسنة فيهما ما يؤكد أن تارك الصلاة
لابد وأن يدخل النار ..
ورأيت بعيني وجوه مسوده كان أصحابها تاركين للصلاة

فلماذا هذا ؟

طوال اليوم أفكر في ذلك ولأنني اعرف جيداً
انه تاركاً للصلاة وزادت حيرتي ..
حتى جاء وقت الليل وجلست مع أخيه ..

فقال لي تصدق يا خالد ..
أمس اخي ذهب للعاصمه وصلى الجمعة والعصر هناك ..
سبحان الله ..
وفي الليل ..
صاحبه طلب منه يوصله للعاصمه ووصله ..
ومع رجعته تعبان وهو راجع صار عليه الحادث ..

فتذكرت ..
انه أحضر نعناع وورد من العاصمه لوالدته ..
ووالدته وزعته على الجميع

حينها علمت ..
حينها بكيت ..
حينها ارتحت ..
فسبحان الله ..
قبل الموت كتب عليه أن يصلي ..

ثم تفكرت ثانية ..
وهل كانت هذه البسمة الرائعة والنور الرباني بسبب صلاته ..
أم بسبب بره بوالدينه ..
وبسبب بره بوالدينه كتب له أن يهديه الله قبل وفاته

إلى هذه الدرجة بر الوالدين عظيم عند الله

وحدثني من أثق في حديثه ..
أنه رآه في منامه مقبلاً ضاحكاً ومعه فتاة تغطي وجهها
فسأله من هذه يا عبدالعزيز ..
فضحك كعادته ..
وقال هذه زوجتي فـلانه ..
ثم ذهب

وخـــتاماً ،،

إخواني . أخواتي .. صلوا ..

قبل أن يصلى عليكم ..
وبروا والدينكم قبل أن تفقدوهم أو يفقدوكم ..
والله إن برهم عظيم ..
اذهبوا إليهم الآن ..
استسمحوهم ..
سامحوهم وإن اخطوا ..
والله العظيم لضحكة في وجه أمك ونيل رضاها ..
أحب إليك من أن تنفق مثل جبل احد من الذهب

الصلات ركن الدين والفرق بين المسلم والكافر الصلاة فمن تركها فقد كفر

وطاعة الوالدين والبر بهما اهم من الجهاد في سبيل الله حتى وان كانا مشركين يجب طاعتهما كما قال الله تعالى

ونسئل الله ان يوفقنا الى طاعتة وطاعة الوالدين والبر بهما

وان يكتب ذالك في ميزان حسناتك اخ خالد

جزاك الله الف خير

ونور الله دربك بنور الايمان وضياء القران

امين يارب

لا هنت