تابع لصفحه الاولى
الدرس الرابع الإحسان
باب في معنى الإحسان
س1) ما معنى الإحسان؟
الإحسان لغة ضد الإساءة وهو أن يبذل الإنسان المعروف ويكف الأذى فيبذل المعروف لعباد الله في ماله ، وجاهه ، وعلمه ، وبدنه , أما الإحسان في العبادة فهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك , وهذا المعنى الذي يعبر عنه بالمراقبة ، فالمراقبة الخاصة الصادقة بأن يراقب العبد ربه سبحانه وتعالى ويتذكر دائماً وأبداً بأن الله يراه ويرى مكانه ويسمع كلامه فهذه المراقبة تحول بين المرء وبين ارتكاب المعاصي وبين الغفلة والالتفات عن الله إلى غير الله , (أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)المائدة97 , وقال تعالى (أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون)النحل23 , قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)متفق عليه.
الدرس الخامس العبادة
باب في معنى العبادة
س1) معنى العبادة؟
العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة , وكل عمل يكون عبادة إذا كمل فيه شيئان هما كمال الحب مع كمال الذل.
باب في أن الله تعالى لا يقبل العمل إلا إذا توفرة فيه ثلاثة شروط
س2) ما هي شروط قبول العمل؟
الله عز وجل لا يقبل العمل إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط : أولها الإسلام , وثانيها الإخلاص , وثالثها الإتباع.
باب في أن الإسلام شرط لصحة جميع الأعمال
س3) هل الإسلام شرط لصحة جميع الأعمال؟
الإسلام شرط لصحة جميع الأعمال , فلا يقبل العمل من الكافر حتى يسلم لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)البخاري , وقال الله تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)آل عمران85.
باب في أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه
س4) أن الله ل ا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه ، أذكر الدليل؟
أن (اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)حسنه الألباني , وأن الله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)مسلم.
باب في أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان موافقا لما جاء به صلى الله عليه وسلم
س5) أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان موافقا لما جاء به صلى الله عليه و سلم ، اذكر الدليل على ذلك؟
العمل لا يكون مقبولاً حتى يكون موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , فإن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)مسلم , وقال الله تعالى (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)الأنعام38 , وقال (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ)يونس32 , فالخير كل الخير في إتباع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشر في الإبتداع في دين الله عز وجل فإن (أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ)صححه الألباني.
باب في أن العبادة لا تخرج من ثلاثة أنواع
س6) العبادة لا تخرج عن ثلاثة أنواع ، ما هي؟
العبادة لا تخرج عن ثلاثة أنواع :فإما أن تكون عبادة اعتقادية , أو أن تكون عبادة بدنية , أو أن تكون عبادة مالية , فالنوع الأول هي أساس العبادة ، وهي أن يعتقد أنه الرب الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر وبيده النفع والضر وأنه لا شريك له ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، وأنه لا معبود بحق غيره ، وغير ذلك من لوازم الألوهية , ويجب أن ينطق بكلمة التوحيد ، فمن اعتقد ما ذكر ولم ينطق بها لم يحقن دمه ولا ماله، وكان كإبليس فإنه يعتقد التوحيد بل ويقر به ، إلا أنه لم يمتثل أمر الله فكفر , ومن نطق ولم يعتقد حقن ماله ودمه وحسابه على الله ، وحكمه حكم المنافقين , والنوع الثاني كالقيام والركوع والسجود في الصلاة , ومنها الصوم وأفعال الحج والطواف , وأما النوع الثالث كإخراج جزء من المال امتثالا لما أمر الله تعالى به ، وأنواع الواجبات والمندوبات في الأموال والأبدان والأفعال والأقوال كثيرة ، لكن هذه أمهاتها , فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده ، والاستعانة بالله وحده واللجوء إلى الله والنذر والنحر له تعالى وجميع أنواع العبادات من الخضوع والقيام تذللا لله تعالى والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل.
الدعاء
س7) عرف الدعاء؟
الدعاء هو استدعاء العبد ربه عز وجل العناية ، واستمداده إياه المعونة ، وحقيقته: إظهار الافتقار إليه ، والتبرؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية ، واستشعار الذلة البشرية ، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود ، والكرم إليه.
باب في أنواع الدعاء
س8) ما هي أنواع الدعاء؟
الدعاء ينقسم إلى قسمين: الأول: دعاء عبادة ، مثل الصوم ، والصلاة ، وغير ذلك من العبادات ، فإذا صلى الإنسان أو صام ، فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له ، وأن يجيره من عذابه ، وأن يعطيه من نواله ، وهذا في أصل الصلاة ، كما أنها تتضمن الدعاء بلسان المقال ، ويدل على هذا القسم قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)غافر60 , فجعل الدعاء عبادة، وهذا القسم يكون الشرك فيه كله ، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فقد كفر كفراً مخرجاً له عن الملة ، فلو ركع لإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود، لكان مشركاً , والثاني: دعاء المسألة، فهذا ليس كله شركاً، بل فيه تفصيل، فإن كان المخلوق قادراً على ذلك، فليس بشرك، كقوله: اسقني ماء لمن يستطيع ذلك. قال صلى الله عليه وسلم (من دعاكم فأجيبوه)صححه الألباني ، وقال تعالى (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه)النساء8 , فإذا مد الفقير يده، وقال: ارزقني، أي: اعطني، فليس بشرك، كما قال تعالى (فارزقوهم منه)، وأما إن دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله، فإن دعوته شرك مخرج عن الملة.
الخوف
س9) عرف الخوف؟
الخوف هو الذعر وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن خوف أولياء الشيطان وأمر بخوفه وحده.
باب في أنواع الخوف
س10) ما هي أنواع الخوف؟
للخوف ثلاثة أنواع هي : النوع الأول - خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع ، وهو ما يسمى بخوف السر وهذا لا يصلح إلا لله سبحانه، فمن أشرك فيه مع الله غيره ، فهو مشرك شركاً أكبر ، وذلك مثل : مَن يخاف من الأصنام أو الأموات ، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم ؛ كما يفعله بعض عباد القبور , يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله , قال تعالى (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)آل عمران175 , فهذا النوع من الخوف لا يكون إلا لله ومن صرفه لغير الله فهو مشرك شركاً أكبر ,أما النوع الثاني - وهو الخوف المحرم وهو أن يخاف من مخلوق بامتثال واجب أو البعد عن محرم مما أوجبه الله أو حرمه، يخاف من مخلوق في أداء فرض من فرائض الله، يخاف من مخلوق في أداء واجب من الواجبات؛ لا يصلي خوفا من مخلوق، لا يحضر الجماعة خوفا من ذم المخلوق له أو استنقاصه له، فهذا محرم، قال بعض العلماء: وهذا من أنواع الشرك. يترك الأمر والنهي الواجب بشرطه خوفا من ذم الناس أو من ترك مدحهم له أومن وصمهم بأشياء، فهذا خوف رجع على الخائف بترك أمر الله , وهذا محرم، لأن الوسيلة إلى المحرم محرمة , والنوع الثالث الخوف الطبيعي والجبلي كالخوف من عدو أو خوف من سَبُع, أو خوف من نار، أو خوف من مؤذي ومهلك ونحو ذلك ؛ فهذا في الأصل مباح ، لقوله تعالى عن موسى (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)القصص21 ، وقوله عنه أيضاً (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ)القصص33.
باب في الخوف المحمود و الخوف المذموم
س11) ما هو الخوف المحمود و الخوف المذموم؟
الخوف من الله تعالى يكون محموداً , ويكون غير محمود , فالمحمود ما كان يحول بينك وبين معصية الله تعالى بحيث يحملك على فعل واجباته وترك محرماته , وأما غير المحمود فهو ما يحملك على اليأس من روح الله والقنوط من رحمته لأنه ( لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)يوسف87.
الرجاء
س12) ما تعريف الرجاء؟
الرجاء هو طمع الإنسان في أمر قريب المنال ، وقد يكون في بعيد المنال تنزيلاً له منزلة القريب , والرجاء المتضمن للذل والخضوع لا يكون إلا لله عز وجل وصرفه لغير الله تعالى شرك إما أصغر ، وإما أكبر بحسب ما يقوم بقلب الراجي قال سبحانه و تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)الكهف110.
باب في أن الرجاء بلا عمل مذموم
س13) متى يكون الرجاء محموداً و متى يكون مذموما؟
الرجاء المحمود لا يكون إلا لمن عمل بطاعة الله ورجى ثوابها، أو تاب من معصيته ورجى قبول توبته (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)البقرة218 , فأما الرجاء بلا عمل فهو غرور وتمن مذموم.
التوكل
س14) ما تعريف التوكل؟
التوكل على الشيء الإعتماد عليه , والتوكل على الله تعالى الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار وهو من تمام الإيمان (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)التوبة51 , فالتوكل من العبادات القلبية، حقيقته أنه يجمع شيئين: الأول: تفويض الأمر إلى الله جل وعلا. الثاني: عدم رؤية السبب بعد عمله. والتفويض وعدم رؤية السبب شيئان قلبيان، فالعبد المؤمن إذا فعل السبب، وهو جزء بما تحصل به حقيقة التوكل، فإنه لا يلتفت لهذا السبب، لأنه يعلم أن هذا السبب لا يُحَصِّل المقصود، ولا يحصل المراد به وحده، وإنما قد يحصل المراد به وقد لا يحصل؛ لأن حصول المرادات يكون بأشياء: منها السبب. ومنها صلاحية المحل. ومنها خلو الأمر من المضاد. فثَم ثلاثة أشياء تحصل بها المرادات: أول سبب: نعلم ِبمَا خلق الله جل وعلا خلقه عليه أن هذا السبب يُنتج المسبَّب؛ النتيجة. الثاني: صلاحية المحل لقيام الأمر به؛ الأمر المراد. الثالث: خلو الأمر أو المحل من المضاد له. مثاله الدواء، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدواء فقال (تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً)صححه الألباني , فالمسلم الموحد يتناول الدواء باعتباره سببا للشفاء، لكنه ليس سببا أو ليس علة وحيدة، بل لا يحصل الشفاء بهذا وحده، وإنما لابد من أشياء أخرى، منها أن يكون المحل الذي هو داخل الإنسان- باطن متناول الدواء - يكون صالحا لقبول ذلك الدواء، وهذا معنى قولي: أن يكون المحل صالحا. أيضا من العلل التي يكمل بها المراد أن يكون السبب هذا الذي عمل خاليا من المعارض له، قد يكون يتناول شيء وفي البدن ما يفسد ذلك الشيء، فلا يصل إلى المقصود. ومنها وهو الأعظم أن يأذن الله جل وعلا بأن يكون السبب مؤثرا منتجا للمسبّب، وهذا يعطيك أن فعل السبب ليس كافيا في حصول المراد قال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)الطلاق3. ولهذا قال علماؤنا ,علماء التوحيد من أئمة السلف فمن بعدهم: الالتفات إلى الأسباب قدح في التوكل, ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل , و قال بعض العلماء: من طعن في الحركة , يعني , في السعي والكسب والأخذ بالأسباب ؛ فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل؛ فقد طعن في الإيمان.
باب في أنواع التوكل
س15) ما هي أنواع التوكل؟
التوكل ثلاثة أنواع أولها توكل العبادة والخضوع ، وهو الإعتماد المطلق على من توكل عليه ، بحيث يعتقد أن بيده جلب النفع ودفع الضر ، فيعتمد عليه اعتماداً كاملاً ، مع شعوره بافتقاره إليه ، فهذا يجب إخلاصه لله تعالى ، ومن صرفه لغير الله ، فهو مشرك شركاً أكبر ، كالذين يعتمدون على الصالحين من الأموات والغائبين ، وهذا لا يكون إلا ممن يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون ، فيعتمد عليهم في جلب المنافع ودفع المضار . قال تعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)التغابن13 , وقال عز وجل (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)آل عمران159 , وثانيها التوكل على الغير فيما يتصرف المتوكل بحيث ينيب غيره في أمر يجوز فيه النيابة وهو المعروف في باب الوكالة عند الفقهاء فهذا لا بأس به بدلالة الكتاب والسنة , والإجماع فقد قال يعقوب لبنيه (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيه)يوسف87, وأما ما جاء في السنة فهو أكثر من أن يحصى فقد وكل صلى الله عليه وسلم على الصدقة عمالاً ووكل في إثبات الحدود وإقامتها وغيرها كثير, وأما الإجماع فهو معلوم من حيث الجملة , وثالثها الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه وغير ذلك ، وهذا من الشرك الأصغر ، مثل اعتماد كثير من الناس على وظيفته في حصول رزقه ، ولهذا تجد الإنسان يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا اعتماد افتقار ، فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ما هو ظاهر ، فهو لم يعتقد أنه مجرد سبب ، بل جعله فوق السبب , قال تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾الأنفال2 ومما سبق يتضح أن التوكل على غير الله تعالى أقسام:أحدها: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت في تحقيق المطالب من النصر والحفظ والرزق أو الشفاعة، فهذا شرك أكبر , الثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة؛ كمن يتوكل على سلطان أو أمير أو أي شخص حي قادر فيما أقدره الله من عطاء أو دفع أذى ونحو ذلك ، فهذا شرك أصغر ، لأنه اعتماد على الشخص , الثالث: التوكل الذي هو إنابة الإنسان من يقوم بعمل عنه مما يقدر عليه كبيع وشراء ، فهذا جائز ، ولكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وكل إليه فيه، بل يتوكل على الله في تيسير أموره التي يطلبها بنفسه أو نائبه ، لأن توكيل الشخص في تحصيل الأمور الجائزة من جملة أسباب ، والأسباب لا يعتمد عليها، وإنما يعتمد على الله سبحانه الذي هو مسبب الأسباب وموجد السبب والمسبب.
الرغبة
س16) ما تعريف الرغبة؟
الرغبة هي محبة الوصول إلى الشيء المحبوب والدليل على كونها عبادة قول الله تبارك وتعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)الأنبياء90 , والرغبة لغة هي السعة يقال رغب الشيء أي اتسع , فعلى هذا هي الإرادة الواسعة والقوية وتأتي بمعنى الحرص وهو الإرادة القوية وتأتي بمعنى العطاء الكثير ، فإذا كانت في الدعاء فالرغبة فيه إطالته وكثرته والسعة فيه ويسمى دعاء رغبة والإطالة في العبادة تسمى عبادة رغبة.
باب في أن الرغبة قد تكون شركاً أكبر وقد تكون شركاً أصغر
س17) متى تكون الرغبة شركاً أكبر و متى تكون شركاً أصغر؟
الرغبة تكون شركاً إذا كثر الإقبال على شخص معين في قضاء الحوائج المحبوبة فيما لا يقدر عليه إلا الله ، فهذا يعتبر شركاً أكبر ، مثال : الذي يتردد على القبور ويقبل عليها إذا انتابه شيء من الحوائج المحبوبة فهذا يكون عبادة من دون الله كالذي يكثر طلب حوائجه من الجن والجمادات سواء فيما لا يقدر عليه إلا الله أو غير ذلك , أما لو كثر الإقبال على المخلوقين في طلب الحوائج المحبوبة وهم يقدرون عليها فإن اعتمد عليهم فهذا شرك أصغر وإن لم يعتمد عليهم فهذه من الأمور التي تنقص التوحيد لحديث (لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)البخاري ومسلم.
الرهبة
س18) ما تعريف الرهبة؟
الرهبة هي الخوف المثمر للهرب من المخوف فهي خوف مقرون بعمل , فالرغبة إذاً: نوع من الرجاء وهي أعلاه، والرهبة نوع من الخوف وهو منتهاه ، قال تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾الأنبياء90 , ووجه الاستدلال من الآية أن الله جل وعلا أثنى على الأنبياء والمرسلين الذين ذكرهم في سورة الأنبياء, التي هذه الآية في أواخرها بقوله (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا), يعني ويدعوننا راغبين, ويدعوننا ذوي رغبة وذوي رهبة وذوي خشوع, وهذا في مقام الثناء عليه ، الثناء على الأنبياء والمرسلين , وما دام أنه أثنى عليهم فإن هذه العبادات من العبادات المرضية له فتدخل في حد العبادة.
الخشوع
س19) عرف الخشوع؟
الخشوع هو الذل والتطامن لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي , واعلم أن الذل أمر لا تستقيم العبادة بغيره، وهو من أركان العبادة العظيمة التي ينشأ عنها الكثير من العبادات القلبية من الإخبات، والإنابة، والتواضع، وغير ذلك من عبادات القلب، ولذلك قال (وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) هذا في بيان مجمل حالهم أنهم خاشعون لله سبحانه وتعالى، فالرغبة رجاء خاص, والرهبة خوف خاص وَجَلٌ خاص، والخشوع هو التطامن والذل, قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً)فصلت39، يعني ليس فيها حركة للنبات, ليس فيها حياة؛ متطامنة ذليلة (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)فصلت39 ، فالخشوع سكون فيه ذل وخضوع, هذا الخشوع الذي هو نوع من أنواع العبادة, وتلك الرغبة وتلك الرهبة هذه من العبادات القلبية, التي يظهر أثرها على الجوارح.
الخشية
س20) عرف الخشية؟
الخشية نوع من الخوف، لكنها تفارق الخوف بأنها خوف مع علم، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)الحشر . فالخشية خوف مع علم فهي اخص من الخوف ويتضح الفرق بين الخوف و الخشية بالمثال الآتي: إذا خفت من شخص لا تدري هل هو قادر عليك أم لا فهذا خوف ، وإذا خفت من شخص تعلم أنه قادر عليك فهذه خشية , قال تعالى (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)البقرة.
الإنابة
س21) عرف الإنابة؟
الإنابة هي الرجوع، وحقيقة الإنابة عكوف القلب على طاعة الله ومحبته والإقبال عليه فهي الرجوع إلى الله بالقيام بطاعته واجتناب معصيته وهي قريبة من معنى التوبة إلا أنها أرق منها لما تشعر به من الاعتماد على الله واللجوء إليه ولا تكون إلا لله تعالى , قال تعالى (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)الزمر , وهذا الرجوع ليس رجوعا مجردا، ولكنه رجوع للقلب مع تعلقه ورجائه، فحقيقة الإنابة أنها لا تقوم وحدها، فالقلب المنيب إلى الله جل وعلا فإنه يرجع، وقد قام بأنواع من العبودية منها الرجاء والخوف والمحبة ونحو ذلك، فالمنيب إلى الله جل وعلا هو الذي رجع إلى الله جل وعلا عما سوى الله جل وعلا، ولا يكون رجوعه هذا إلا بعد أن يقوم بقلبه أنواع من العبوديات أعظمها المحبة والخوف والرجاء؛ محبة الله, والخوف من الله, والرجاء في الله, فالإنابة صارت عبادة بهذا قال تعالى (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)الزمر ، فقال عز وجل (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ) أمراً بالإنابة، وإذ أمر بها فمعنى ذلك أنه يحبها ويرضاها ممن أتى بها، فهي إذن داخلة في تعريف العبادة.
الإستعانة
س22) ما معنى الإستعانة؟
الإستعانة طلب العون، وطلب العون من الله جل وعلا يكون على الأمور الدينية وعلى الأمور الدنيوية. فإن لم يحصل من الله عون للمرء في تحصيل مطلوباته فإنه لا يحصل شيئاً، ولا يصيب غرضاً، وقد ذكرها الله في كتابه بعد العبادة لأنها فرع الإقرار بعبودية الله سبحانه وتعالى، فإن من أقرّ بأن الله هو المعبود طلب العون منه وحده، لأن المعبود هو الكامل في أوصافه جل وعلا، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) فيه إثبات ألوهيته سبحانه وتعالى، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيه إثبات ربوبيته، لأنه إنما يستعان بالمالك الرازق المدبر الخالق الذي بيده الأمر وله الأمر كله جلّ وعلا , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّه)صححه الألباني , فقوله (إذا استعنت فاستعن بالله) يعني إذا كنت متوجها للاستعانة فلا تستعن بأحد إلا بالله ، فإذا حصل منك حاجة للاستعانة فاستعن بالله , ولما أمر به علمنا أنه من العبادة.
باب في أنواع الإستعانة
س23) ما هي أنواع الإستعانة؟
الإستعانة خمسة أنواع : أولها الإستعانة بالله وهي: الإستعانة المتضمنة لكمال الذل من العبد لربه ، وتفويض الأمر إليه، واعتقاد كفايته وهذه لا تكون إلا لله تعالى ودليلها قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وعلى هذا يكون صرف هذا النوع لغير الله تعالى شركاً مخرجاً عن الملة , وثانيها الإستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه فهذه على حسب المستعان عليه فإن كانت على بر فهي جائزة للمستعين مشروعة للمعين لقوله تعالى(وتعاونوا على البر والتقوى)المائدة2 , وإن كانت على مباح فهي جائزة للمستعين والمعين لكن المعين قد يثاب على ذلك ثواب الإحسان إلى الغير ومن ثم تكون في حقه مشروعة لقوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)المائدة , وثالثها : الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر فهذه لغو لا طائل تحتها مثل أن يستعين بشخص ضعيف على حمل شيء ثقيل , ورابعها الإستعانة بالأموات مطلقاً أو بالأحياء على أمر الغائب لا يقدرون على مباشرته فهذا شرك لأنه لا يقع إلا من شخص يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفيا في الكون , وخامسها الإستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى وهذه مشروعة بأمر الله تعالى في قوله (أستعينوا بالصبر والصلواة)البقرة153.
الاستعاذة
س24) ما تعريف الاستعاذة؟
الاستعاذة لغة مأخوذة من العوذ وهي الالتجاء ولذا سميت المعوذتين لأنها تعصمان من السوء فهي طلب الالتجاء , وشرعاً الالتجاء إلى الله قال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس)الناس1, فقولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, معناها ألتجئ وأعتصم وأتحرز بالله من شر الشيطان الرجيم, فإذن الاستعاذة طلب العوذ , طلب المعتصَم, طلب الحِرز, طلب ما يعصم, طلب ما يحمي, هذه الاستعاذة.
باب في أنواع الاستعاذة
س25) ما هي أنواع الاستعاذة؟
الاستعاذة أربعة أنواع , الأول: الاستعاذة بالله تعالى وهي المتضمنة لكمال الافتقار إليه والاعتصام به واعتقاد كفايته وتمام حمايته من كل شيء حاضر أو مستقبل ، صغير أو كبير ، بشر أو غير بشر قال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)سورة الفلق , وقال تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)سورة الناس , الثاني: الاستعاذة بصفة ككلامه وعظمته وعزته ونحو ذلك ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)مسلم , وقوله (أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)صححه الألباني , وقوله في دعاء الألم (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)صححه الألباني , وقوله (أعوذ برضاك من سخطك)مسلم , وقوله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم)الأنعام 65 , فقال (أعوذ بوجهك)البخاري , الثالث: الإستعاذة بالأموات أو الأحياء غير الحاضرين القادرين على العوذ فهذا شرك ومنه قوله تعالى (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً)الجن6 , الرابع: الإستعاذة بما يمكن العوذ به من المخلوقين من البشر أو الأماكن أو غيرها فهذا جائز ودليله قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر الفتن : (من تشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذبه)متفق عليه وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا الملجأ والمعاذ بقوله: (فمن كان له إبل فليلحق بإبله)مسلم، وفي صحيحه أيضاً عن جابر رضي الله عنه أن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة الحديث، وفي صحيحه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث) , ولكن إن استعاذ من شر ظالم وجب إيواؤه وإعاذته بقدر الإمكان ، وإن استعاذ ليتوصل إلى فعل محظور أو الهرب من واجب حرم إيواؤه.
الإستغاثة
س26) عرف الإستغاثة؟
الإستغاثة : طلب الغوث, والغوث يُفسر بأنه الإغاثة, المدد، النصرة ونحو ذلك, فإذا وقع مثلا أحد في غرق ينادي أَغثني أغثني, يطلب الإغاثة, يطلب إزالة هذا الشيء, يطلب النصرة قال تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)الأنفال9 , ولذا سمى المطر غوثاً لأنه يكشف شدة القحط.
باب في أنواع الإستغاثة
س27) ما هي أنواع الإستغاثة؟
الإستغاثة أربعة أقسام : أولها الإستغاثة بالله عز وجل وهي من أفضل الأعمال وأكملها وهو دأب الرسل وأتباعهم قال تعالى (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)الأنفال , وكان ذلك في غزوة بدر حين نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين في ألف رجل وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فدخل العريش يناشد ربه عز وجل رافعاً يديه مستقبل القبلة يقول (اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)مسلم , وما زال يستغيث بربه رافعاً يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رضي الله عنه رداءه فألقاه على منكبيه ثم ألتزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك وعدك فأنزل الله هذه الآية , وثانيها الإستغاثة بالأموات أو بالأحياء غير الحاضرين القادرين على الإغاثة فهذا شرك ؛ لأنه لا يفعله إلا من يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون فيجعل لهم حظاً من الربوبية قال الله تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ءأله مع الله قليلاً ما تذكرون)النمل62 , وثالثها : الاستغاثة بالأحياء العالمين القادرين على الإغاثة فهذا جائز كالاستعانة بهم قال الله تعالى في قصة موسى (فاستغاثة الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه)القصص15 , ورابعها الاستغاثة بحي غير قادر من غير أن يعتقد أن له قوة خفية مثل أن يستغيث الغريق برجل مشلول فهذا لغو وسخرية بمن استغاث به فيمنع منه لهذه العله، ولعلة أخرى وهي الغريق ربما أغتر بذلك غيره فتوهم أن لهذا المشلول قوة خفية ينقذ بها من الشدة , ومما سبق يتضح أن شروط الاستغاثة بغير الله جل وعلا: أن يكون المستغاث به حيا حاضرا قادرا يسمع.
باب في الفرق بين الإستغاثة والإستعانة والإستعاذة
س28) ما الفرق بين الإستغاثة و الإستعانة و الإستعاذة؟
الإستغاثة ، والإستعانة ، والإستعاذة تختلف باعتبار الحالة والزمن ؛ فإذا وقع عليك الشر وطلب النصرة بإزالته فهذه تسمى استغاثة ، فنداء الغريق يسمى استغاثة ، أما إذا لم يقع عليك الشر حتى الآن لكنه على الطريق أن يقع عليك فطلب أن لا يقع فهذه الاستعاذة ، أما في الأمور العادية إذا لم يقع عليك شر ولا تتوقع شراً فإنه يسمى استعانة.
الذبح
س29) ما تعريف الذبح؟
الذبح هو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص , والذبح يشمل النحر الخاص ويشمل الذبح الذي هو قسيم النحر لأن النحر هو الطعن بسكين أو بالحَرْبَة ، مثل ما يُفعل بالإبل فهي لا تذبح ذبحا، لكن هي تطعن في وَحدتها وإذا طُعنت وحُرِّكت السكين واندثر الدم ماتت , كذلك البقر قد تُنحر , وأما الذبح : فيكون في الغنم من الضأن والماعز وكذلك في البقر.
باب في أنواع الذبح
س30) ما هي أنواع الذبح؟
الذبح يقع على أنواع وهي :الأول أن يقع عبادة بأن يقصد به تعظيم المذبوح له والتذلل له والتقرب إليه فهذا لا يكون إلا لله تعالى على الوجه الذي شرعه الله تعالى ، وصرفه لغير الله شرك أكبر ودليله قوله تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ`لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)الأنعام162ـ 163, وقال صلى الله عليه وسلم (لعن الله من ذبح لغير الله)صححه الألباني , الثاني أن يقع إكراماً لضيف أو وليمة لعرس أو نحو ذلك فهذا مأمور به إما وجوباً أو إستحباباً لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)البخاري ومسلم , الثالث: أن يقع على وجه التمتع بالأكل أو الإتجار به ونحو ذلك فهذا من قسم المباح فالأصل فيه الإباحة لقوله تعالى (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون)يس71، 72 , وقد يكون مطلوباً أو منهياً عنه حسبما يكون وسيلة له.
النذر
س31) عرف النذر؟
النذر هو إيجاب المرء على نفسه شيئا لم يجب عليه، وتارة يكون النذر مطلقا، وتارة يكون بالمقابلة مُقيّد، والنذر المطلق غير مكروه ، والنذر المقيد مكروه.
باب في أنواع النذر
س32) ما هي أنواع النذر؟
النذر نوعان : الأول النذر المطلق وهو ماكان بدون مقابل ، ومثاله أن يوجب الإنسان على نفسه عبادة لله جل وعلا بدون مقابل، فيقول لله عليَّ نذر، مثلا يقول قائل : لله عليَّ نذر أن أصلّي الليلة عشرة ركعات طويلات. بدون مقابل ، هذا إيجاب المرء على نفسه عبادة لم تجب عليه دون أن يقابلها شيء ، هذا النوع مطلق ، وهذا غير مكروه وهو المقصود بقوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)الإنسان7 ,والثاني النذر المقيد وهو ما كان عن مقابل ، وهو أن يقول قائل مثلا : إن شفى الله جل وعلا مريضي صُمْتُ يوما ، إن نجحت في الاختبار صليت ركعتين ، هذا مشروط يوجب عبادة على نفسه ، مشروطة بشيء يحصل له قدرا ، وهذا مكروه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما يُستخرج به من البخيل)البخاري ومسلم , لأن المؤمن المقبل على ربه ما يعبد الله جل وعلا بالمقايضة ، يعبد الله جل وعلا ويتقرب إليه لأن الله يستحق ذلك منه ، فهذا النوع مكروه والوفاء بالنذر في النوعين واجب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)البخاري.
التوسل
س33) عرف التوسل؟
التوسل هو التقرب إلى الشيء والتوصل إليه ، والوسيلة القربة، قال الله تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة) أي القربة إليه سبحانه بطاعته واتباع مرضاته.
باب في أنواع التوسل
س34) ما هي أنواع التوسل؟
التوسل نوعان , مشروع ,وغير مشروع وكل نوع من هذه الأنواع له عدة أقسام سوف نذكرها بشيء من التفصيل.
باب في مشروعية التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العليا
س35) هل يشرع التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العليا؟
يجوز التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى ، أو صفة من صفاته العليا: كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم ، اللطيف الخبير أن تعافيني . أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي . ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد صلى الله عليه وسلم . . فإن الحب من صفاته تعالى . ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)الأعراف 180 , والمعنى: ادعوا الله تعالى متوسلين إليه بأسمائه الحسنى . ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا , ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من دعاء سليمان عليه السلام حيث قال (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)النمل 19 , ومن الأدلة أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أدعيته الثابتة عنه قبل السلام من صلاته صلى الله عليه وسلم (اللهم بعلمك الغيب ، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي...)صححه الألباني , ومنها أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول في تشهده (اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي ، إنك أنت الغفور الرحيم) فقال صلى الله عليه وسلم(قد غفر له قد غفر له)صححه الألباني فهذه الأحاديث وما شابهها تبين مشروعية التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه أو صفة من صفاته ، وأن ذلك مما يحبه الله سبحانه ويرضاه ، ولذلك استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تبارك وتعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه)الحشر8 , فكان من المشروع لنا أن ندعوه سبحانه بما دعاه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، فذلك خير ألف مرة من الدعاء بأدعية ننشئها ، وصيغ نخترعها.
باب في مشروعية التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي
س36) هل يشرع التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي؟
التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي كأن يقول المسلم: اللهم بإيماني بك ، ومحبتي لك ، واتباعي لرسولك اغفر لي , أو يقول: اللهم إني أسألك بحبي لمحمد صلى الله عليه وسلم وإيماني به أن تفرج عني , ومنه أن يذكر الداعي عملاً صالحاً ذا بال ، فيه خوفه من الله سبحانه ، وتقواه إياه ، وإيثاره رضاه على كلّ شيء ، وطاعته له جل شأنه ، ثم يتوسل به إلى ربه في دعائه ، ليكون أرجى لقبوله وإجابته , وهذا توسل جيد وجميل قد شرعه الله وارتضاه ، ويدل على مشروعيته قوله تعالى (الذين يقولون ربنا إننا آمنا ، فاغفر لنا ذنوبنا ، وقنا عذاب النار)آل عمران 16 , وقوله (إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان: أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ، وتوفنا مع الأبرار)آل عمران193 و 194 , وقوله (إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا ، وارحمنا ، وأنت خير الراحمين)المؤمنون109, وأمثال هذه الآيات الكريمات المباركات . وكذلك يدل على مشروعية هذا النوع من التوسل ما رواه بُريدة بن الحُصيب رضي الله عنه حيث قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول (اللهم إني أسألك بأني أشهد أن أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد) ، فقال (قد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطي ، وإذا دعي به أجاب)صححه الألباني , ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار ، كما يرويها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ)متفق عليه.
باب في مشروعية التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح
س37) ما حكم التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح؟
التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح كأن يقع المسلم في ضيق شديد ، أو تحل به مصيبة كبيرة ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى ، فيجب أن يأخذ بسبب قوي إلى الله ، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى ، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة . فيطلب منه أن يدعوا له ربه . ليفرج عنه كربه ، ويزيل عنه همه . فهذا نوع آخر من التوسل المشروع ، دلت عليه الشريعة المطهرة ، وأرشدت إليه ، وقد وردت أمثلة منه في السنة الشريفة ، كما وقعت نماذج منه من فعل الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم ، فمن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال (أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ)البخاري ومسلم.
باب في التوسل غير المشروع
س38) ما هو التوسل غير المشروع؟
ما عدا الأنواع المذكورة في التوسل المشروع فيعتبر توسلاً غير مشروع كالتوسل بطلب الدعاء والشفاعة من الأموات والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، والتوسل بذوات المخلوقين أو حقهم.
الشفاعة
س39) ما تعريف الشفاعة لغة و شرعا؟
الشفاعة لغة اسم من شفع يشفع ، إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر، قال تعالى (والشفع والوتر) , الشفاعة اصطلاحا التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة , مثال جلب المنفعة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بدخولها , مثال دفعة المضرة شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن استحق النار أن لا يدخلها.
باب في أنواع الشفاعة
س40) ما هي أنواع الشفاعة؟
الشفاعة تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما : الشفاعة الخاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الشفاعة العامة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولجميع المؤمنين وسوف نبين كل قسم من هذه الأقسام.
باب في الشفاعة الخاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
س41) ما هي الشفاعة الخاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
الشفاعة الخاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنواع وهي : النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي وعده الله، فإن الناس يلحقهم يوم القيامة في ذلك الموقف العظيم من الغم والكرب ما لا يطيقونه، فيقول بعضهم لبعض: (اطلبوا من يشفع لنا عند الله، فيذهبون إلى آدم أبي البشر، فيذكرون من أوصافه التي ميزه الله بها: أن الله خلقه بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، فيقولون: اشفع لنا عند ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟! فيعتذر لأنه عصى الله بأكله من الشجرة، ومعلوم أن الشافع إذا كان عنده شيء يخدش كرامته عند المشفوع إليه، فإنه لا يشفع لخجله من ذلك، مع أن آدم عليه السلام قد تاب الله عليه واجتباه وهداه، قال تعالى (وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى)طه121،122، لكن لقوة حيائه من الله اعتذر , ثم يذهبون إلى نوح، ويذكرون من أوصافه التي امتاز بها بأنه أول رسول أرسله الله إلى الأرض، فيعتذر بأنه سأل الله ما ليس له به علم حين قال (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)هود45 , ثم يذهبون إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، فيذكرون من أوصافه ما يقتضي أن يشفع، فلا يعتذر بشيء، لكن يحيل إلى من هو أعلى مقاماً، فيقول : اذهبوا إلى محمد، عبد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيحيلهم إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون أن يذكر عذراً يحول بينه وبين الشفاعة فيأتون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فيشفع إلى الله ليريح أهل الموقف)البخاري ومسلم , الثاني شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أهل الجنة أن يدخلوها، لأنهم إذا عبروا الصراط ووصلوا إليها وجدوها مغلقة، فيطلبون من يشفع لهم، فيشفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الله في فتح أبواب الجنة لأهلها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها)الزمر73 ، فقال (وفتحت)، فهناك شيء محذوف، أي: وحصل ما حصل من الشفاعة، وفتحت الأبواب، أما النار، فقال فيها: (حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها). الثالث: شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب ، وهذه مستثناة من قوله تعالى (فما تنفعهم شفاعة الشافعين)المدثر48، وقوله تعالى (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً)طه109، وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفاع عنه، وهو لم يخرج من النار، لكن خفف عنه حتى صار - والعياذ بالله - في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أحد يشفع في كافر أبداً إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومع ذلك لم تقبل الشفاعة كاملة، وإنما هي تخفيف فقط.
باب في الشفاعة العامة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولجميع المؤمنين
س42) ما هي الشفاعة العامة؟
الشفاعة العامة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولجميع المؤمنين أنواع هي : النوع الأول : الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم(ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه)مسلم , النوع الثاني الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها وقد تواترت بها الأحاديث وأجمع عليها الصحابة , النوع الثالث الشفاعة في رفع درجات المؤمنين وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال صلى الله عليه وسلم في أبي سلمة (اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأفسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه) ، والدعاء شفاعة، كما قال صلى الله عليه وسلم (ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه)صححه الألباني.
الولاء و البراء
س43) عرف الولاء و البراء؟
أصل الدين أن من دخل في (لا إله إلا الله) فإنه يحب هذه الكلمة وما دلت عليه من التوحيد ، ويحب أهلها، ويُبغض الشرك المناقض لهذه الكلمة ، ويبغض أهله , فكلمة الولاء والبراء هي معنى الموالاة والمعاداة ، وهي بمعنى الحب والبغض ، فإذا قيل الولاء والبراء في الله هو بمعنى الحب والبُغض في الله وهو بمعنى الموالاة والمعاداة في الله ، فإذا أحبَّ القلبُ الشرك صار مواليا للشرك ، وإذا أحب القلبُ أهل الشرك صار مواليا لأهل الشرك، كذلك إذا أحب القلبُ الإيمان صار مواليا لأهل الإيمان ، وإذا أحب القلبُ اللهَ صار مواليا لله ، وإذا أحب القلبُ الرسول صلى الله عليه وسلم صار مواليا للرسول صلى الله عليه وسلم وإذا أحب القلبُ المؤمنين صار مواليا ووليا للمؤمنين وموالاة المشركين والكفار محرمة وكبيرة من الكبائر ، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر والشرك، فمن أصول العقيدة الإسلامية أنه يجب على كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم، وذلك من ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم، حيث يقول سبحانه وتعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاءٌ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) , وهو من دين محمد عليه الصلاة والسلام. قال تعالى (لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
باب في أقسام الولاء
س44) ما هي أقسام الولاء؟
للولاء معنيين فقد تكون بمعنى التولِّي , أو بمعنى الموالاة ,فالتولِّي معناه محبة الشرك وأهل الشرك ( لاحظ الواو ) يعني يحب الشرك وأهل الشرك جميعا مجتمعة ، أو أن لا يحب الشرك ولكن ينصرُ المشركَ على المسلم ، قاصدا ظهور الشرك على الإسلام ، هذا الكفر الأكبر الذي إذا فعله مسلم صار رِدَّة في حقه والعياذ بالله , والموالاة المحرّمة من جنس محبة المشركين والكفار، لأجل دنياهم ، أو لأجل قراباتهم ، أو لنحو ذلك وضابطه أن تكون محبة أهل الشرك لأجل الدنيا ، ولا يكون معها نصرة ، لأنه إذا كان معها نصرة على مسلم بقصد ظهور الشرك على الإسلام صار توليا ، وهو في القسم المُكَفِّر ، فإن أحب المشرك والكافر لدنيا وصار معه نوع موالاة لأجل الدنيا ، فهذا محرم ومعصية ، وليس كفرا.
الدرس السادس الشرك وأنواعه
باب في تعريف الشرك
س1) عرف الشرك؟
الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.
باب في خطر الشرك ووجوب الحذر منه
س2) لماذا الشرك من أعظم الذنوب؟
الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لا مغفرة لمن لم يتب منه، مع أنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة، وذلك يوجب للعبد شدة الحذر وشدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه، ويحمله على معرفته لتوقيه، لأنه أقبح القبيح وأظلم الظلم , قال تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، وذلك لأنه تنقص لله عز وجل، ومساواة لغيره به؛ كما قال تعالى(الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدلون) , وقال تعالى (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ؛ لأن الشرك مناقض للمقصود بالخلق والأمر من كل وجه بالله عز وجل؛ فقد شبه المخلوق بالخالق، وأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات عن جميع المخلوقين قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك، وسد كل الطرق التي تفضي إليه؛ فقد بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وحالة العرب بل وحالة أهل الأرض كلهم إلا بقايا من أهل الكتاب كانت على أسوإ حال، كما قال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
باب في أنواع الشرك
س3) ما هي أنواع الشرك ؟
الشرك نوعان : شرك أكبر , وشرك أصغر وإليك التفصيل في هذا.
باب في الشرك الأكبر
س4) ما هو الشرك الأكبر و ما هي أنواعه و ما حكم من وقع فيه؟
الشرك الأكبر يُخرج من الملة، ويخلَّدُ صاحبُهُ في النار، إذا مات ولم يتب منه، وهو صرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء غير الله، والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين، والخوف من الموتى أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يُمرضوه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكُربات، مما يُمارسُ الآن حولَ الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين، قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعََاؤنا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)يونس18.
باب في الشرك الأصغر وأنواعه
س5) ما هو الشرك الأصغر و ما هي أنواعه؟
الشرك الأصغر لا يخرج من الملة, لكنه ينقص التوحيد ، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وهو قسمان:القسم الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح وهو: ألفاظ وأفعال، فالألفاظ كالحلف بغير الله ، قال صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)صححه الألباني , وقول: ما شاء الله وشئت ، قال صلى الله عليه وسلم: لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال (أجعلتني لله نِدًّا؟! قُلْ: ما شاءَ الله وحده)صححه الألباني ,وقول: لولا الله وفلان، والصوابُ أن يُقالَ: ما شاءَ الله ثُمَّ شاء ، لأن (ثم) تفيدُ الترتيب مع التراخي، وتجعلُ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، كما قال تعالى (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) , وأما الأفعال فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه، ومثل تعليق التمائم خوفًا من العين وغيرها؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو دفعه، فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا، أما إن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها؛ فهذا شرك أكبر لأنه تَعلَّق بغير الله. القسم الثاني من الشرك الأصغر: شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات، كالرياء والسمعة، كأن يعمل عملًا مما يتقرب به إلى الله؛ يريد به ثناء الناس عليه، كأن يُحسن صلاته، أو يتصدق؛ لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمع الناس، فيُثنوا عليه ويمدحوه. والرياء إذا خالط العمل أبطله، قال الله تعالى (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أخوفُ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال الرياء)صححه الألباني.
الدرس السابع الكفر وأنواعه
باب في تعريف الكفر
س1) عرف الكفر لغة و شرعا؟
الكفر لغة التغطية والستر , و الكفر شرعًا ضد الإيمان ، فإن الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب ، أو لم يكن معه تكذيب ، بل مجرد شك وريب أو إعراض أو حسد ، أو كبر أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتباع الرسالة , وإن كان المكذب أعظم كفرًا ، وكذلك الجاحدُ والمكذِّب حسدًا ؛ مع استيقان صدق الرسل.
باب في أنواع الكفر
س2) ما هي أنواع الكفر؟
الكفر نوعان : أكبر , وأصغر وإليك التفصيل في هذا.
باب في الكفر الأكبر وأنوعه
س3) ما هو الكفر الأكبر و ما هي و أنوعه؟
الكفر الأكبر المخرج من الملة، خمسة أقسام: القسم الأول كُفرُ التَّكذيب، والدَّليلُ: قوله تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ)العنكبوت 68 , القسم الثاني كفر الإباء والاستكبار مع التصديق، والدليل قوله تعالى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)البقرة 34 , القسم الثالث: كفرُ الشّكِّ، وهو كفر الظّنّ، والدليل قوله تعالى (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا ما مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا)الكهف 35-38 , القسم الرابع: كفرُ الإعراضِ، والدليلُ قولُه تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ)الأحقاف 3 , القسم الخامس: كفرُ النّفاقِ، والدليلُ قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ)المنافقين 3.
باب في الكفر الأصغر وأنواعه
س4) ما هو الكفر الأصغر و ما هي أنواعه؟
الكفرٌ الأصغرُ لا يُخرجُ من الملة، وهو الكفرُ العملي، وهو الذنوب التي وردت تسميتها في الكتاب والسنة كُفرًا، وهي لا تصلُ إلى حدِّ الكفر الأكبر، مثل كفر النعمة المذكور في قوله تعالى (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتيها رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ)النحل 112 , ومثلُ قتال المسلم المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلمِ فُسوقٌ، وقتالُه كفر)رواه البخاري ومسلم , وفي قوله صلى الله عليه وسلم (لا تَرجعوا بعدي كُفَّارًا يضربُ بعضكم رقابَ بعض)رواه الشيخان , فهذا الكفر ليس بمخرج عن الملة وإنما هو من الكفر الأصغر.
س5)- ما هي الأحكام الشرعية التي تترتب على من وقع في الكفر؟
تكفير المسلم مسألة خطيرة، يجب عدم الخوض فيها دون دليل وبرهان، وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فباب التكفير باب خطير، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر أحد أحداً دون برهان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه)مسلم ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن الشخص المكفر يترتب على كفره أحكام، منها:
1- عدم حل زوجته – المسلمة – له، وتحريم بقائها، وبقاء أولادها تحت سلطانه؛ لأن المرأة المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع.
2- وجوب محاكمته أمام القضاء؛ لتنفيذ حد الردة عليه – وهو القتل – لأنه كفر بعد إسلامه، وذلك بعد استتابته وإقامة الحجة، وإزالة الشبه.
3- أنه إذا مات على ردته وكفره؛ لا تجري عليه أحكام المسلمين؛ فلا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، كما أنه لا يرث إذا مات له موروث قبله.
4- أنه إذا مات على الكفر؛ وجبت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، والخلود الأبدي في النار – والعياذ بالله – ولا يدعى له بالرحمة، ولا يستغفر له.
س6)- ما هي موانع التكفير؟
التكفير عند أهل السنة والجماعة له موانع يمنع من تنزيل الحكم على الشخص بعينه؛ إلا بعد توفر الشروط، وانتفاء الموانع التي تمنع تكفير المعين، ومن هذه الموانع وأهمها:
الجهل : إن من شروط الإيمان - عند أهل السنة والجماعة – وجود العلم والمعرفة عند الشخص المؤمن به؛ لذا فمن أنكر أمراً من أمور الشرع جاهلاً به، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله؛ فإنه لا يكفر؛ حتى لو وقع في مظهر من مظاهر الشرك أو الكفر.
الخطأ : اتفق أئمة أهل السنة والجماعة؛ على أن الخطأ من موانع التكفير في المسائل العلمية والعملية، إذا كان اجتهاداً لطلب الحق ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وغير مقصود لمخالفة الشرع، وقاعدتهم في ذلك قوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)الأحزاب5 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)صححه الألباني.
الإكراه : اتفق أئمة أهل السنة والجماعة على أن الإكراه على الكفر بضوابطه الشرعية يعتبر من موانع التكفير في حق المعين ، ومن ضوابط الإكراه – عندهم – أن يقع بسبب التهديد بالضرب والقتل والتعذيب، أو قطع عضو من أعضائه، بالفعل لا بمجرد التهديد اللفظي، وقد رفع السيف فوق رأسه؛ حتى يتحقق الإكراه، وأن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك فوراً لا محالة؛ فحينئذ يجوز له القيام بما دفع إليه بالتهديد، باعتباره في حالة ضرورية شرعية؛ فيباح عندئذ إظهار ما يخالف الدين، ولا يأثم إن نطق بالكفر أو فعل؛ لأن في هذه الحالة ينعدم في الإنسان الرضا، ويفسد الاختيار، وتنتفي الإرادة والقصد، أما ما دون ذلك فيدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما؛ ففي هذه الحالة لا يكفر المسلم ما دامت الموافقة باللسان دون القلب، وقلبه مطمئن بالإيمان، وموقن بحقيقته، وذلك لظاهر قوله تعالى:
(مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)النحل106.
التأويل: هو التلبس والوقوع في الكفر متأولاً من غير قصد لذلك.
البلوغ : فلا يحكم على صبي قال كفرًا أو فعل كفرًا.
س7)- هل هناك فرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين؟
من أصول أهل السنة والجماعة التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين؛ لأنه من الممكن أن يقول المسلم قولاً أو يفعل فعلاً؛ قد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أنه كفر وردة عن الإسلام، ولكن لا تلازم عندهم بين القول بأن هذا كفر، وبين تكفير الشخص بعينه؛ فليس كل من فعل مكفراً يحكم بكفره بإطلاق؛ فقد يكون القول أو الفعل كفراً؛ لكن لا يطلق الكفر على القائل، أو الفاعل إلا بشرطه؛ لأنه لابد أن تثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، فالمرء قد يكون حديث عهد بالإسلام، وقد يكون جاهلاً جهلاً يعذر بمثله؛ فإذا بين له رجع، وقد ينكر شيئاً متأولاً أخطأ بتأويله، وغير ذلك من الموانع التي تمنع من التكفير.
فأهل السنة والجماعة: يطلقون القول في التكفير، فيقولون: من قال كذا، أو فعل كذا؛ فهو كافر، وعندما يتعلق الأمر بالشخص المعين الذي قاله أو فعله، لا يحكمون على كفره إطلاقاً؛ حتى تجتمع فيه الشروط، وتنتفي عنه الموانع، فعندئذ تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذه قاعدة عظيمة يتميزون بها عن غيرهم؛ لأن التكفير ليس حقاً لأحد، يحكم به على من يشاء على وفق هواه؛ بل التكفير حكم شرعي، فيجب الرجوع في ذلك إلى ضوابط الشرع؛ فمن كفره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقامت عليه الحجة؛ فهو الكافر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال ذلك؛ فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة؛ فلا يشهد على معين من أهل القبلة بأنه من أهل النار؛ لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط أو لثبوت مانع).
س8)- ما يمحو الكفر بعد ثبوته على المعين؟
أجمع أهل السنة والجماعة؛ على أن الكفر إذا ثبت ووقع في حق المعين؛ لم يمحه شيء إلا التوبة الصادقة وبشروطها المعروفة؛ لأن التوبة تمحو جميع الخطايا والسيئات.
والتوبة هي المانع الوحيد الذي يمنع إطلاق اسم الكفر على المعين بعد رجوعه عن الكفر الذي وقع فيه؛ بخلاف الموانع السابقة؛ التي تمنع إلحاق الكفر به ابتداء؛ حتى يزول المانع. قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)الزمر53 ، وقال: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)المائدة73- 74.
الدرس الثامن النفاق وأنواعه
باب في تعريف النفاق
س1) عرف النفاق لغة و شرعا؟
النفاق لغة: مصدر نافق، يُقال: نافق يُنافق نفاقًا ومنافقة، وهو مأخوذ من النافقاء: أحد مخارج اليربوع من جحره؛ فإنه إذا طلب من مخرج هرب إلى الآخر، وخرج منه، وقيل: هو من النفق وهو: السِّرُ الذي يستو أما النفاق في الشرع فمعناه: إظهارُ الإسلام والخير، وإبطانُ الكفر والشر؛ سمي بذلك لأنه يدخل في الشرع من باب، ويخرج منه من باب آخر، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)التوبة67 ,أي: الخارجون من الشرع.
باب في أن المنافقين شرًّا من الكافرين
س2) المنافقين شرّ من الكافرين أذكر الدليل؟
الله سبحانه وتعالى جعل المنافقين شراً من الكافرين فقال عز وجل (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)النساء145 , وقال تعالى (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)البقرة9،10.
باب في أنواع النفاق
س3) ما هي أنواع النفاق؟
النفاق نوعان : النفاقُ الإعتقادي , و النفاق العملي , وسوف نتعرف على كل نوع في الأبواب القادمة.
باب في النفاق الاعتقادي وأنوعه
س4) عرف النفاق الاعتقادي و أذكر أنوعه؟
النفاق الاعتقادي : هو النفاق الأكبر الذي يُظهر صاحبه الإسلام، ويُبطن الكفر، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، وقد وصَفَ الله أهله بصفات الشر كلها: من الكفر وعدم الإيمان، والاستهزاء بالدين وأهله، والسخرية منهم، وهؤلاء مَوجودون في كل زمان، ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون مقاومته في الظاهر، وهذا النفاق ستة أنواع 1 ـ تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم , 2 ـ تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسل , 3 ـ بُغضُ الرسول صلى الله عليه وسلم , 4 ـ بغضُ بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , 5 ـ المسرَّة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم , 6 ـالكراهية لانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
باب في النفاق العملي وأنوعه
س5) ما هو النفاق العملي و ما هي و أنوعه؟
النفاق العملي وهو عمل شيء من أعمال المنافقين؛ مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يُخرج من الملة، لكنه وسيلة إلى ذلك، وصاحبه يكونُ فيه إيمان ونفاق، وإذا كثر؛ صارَ بسببه منافقًا خالصًا، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم (أربع من كُنَّ فيه كانَ منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا أؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)متفق عليه , فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع، فقد اجتمع فيه الشر، وخلصت فيه نعوت المنافقين، ومَن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق ، فإنه قد يجتمع في العبد خصال خير، وخصال شر، وخصال إيمان، وخصال كفر ونفاق، ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك.
الدرس التاسع الطاغوت وأنواعه
باب في تعريف الطاغوت
س1) عرف الطاغوت؟
الطاغوت هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود ، أو متبوع ، أو مطاع.
باب في أنواع الطواغيت
س2) ما هي أنواع الطواغيت؟
الطواغيت كثيرة ورؤسهم خمسة , أولها إبليس هو الشيطان الرجيم اللعين وكان إبليس مع الملائكة صحبتهم يعمل بعملهم ، ولما أمر بالسجود لآدم ظهر ما فيه من الخبث والإباء والإستكبار فأبى وأستكبر وكان من الكافرين فطرد من رحمة الله , فقال الله له (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين)ص78 ,وثانيها من عبد وهو راض أي عبد من دون الله وهو راض أن يعبد من دون الله فإنه من رؤوس الطواغيت والعياذ بالله وسواء عبد في حياته أو بعد مماته إذا مات وهو راض بذلك , ثالثها من دعا الناس إلى عبادة نفسه أي من دعا الناس إلى عبادة نفسه وإن لم يعبدوه فإنه من رؤوس الطواغيت سواء أجيب لما دعا إليه أم لم يجيب , ورابعها من أدعى شيئاً من علم الغيب ، و الغيب ما غاب عن الإنسان وهو نوعان :
واقع ، ومستقبل , فغيب الواقع نسبي يكون لشخص معلوماً ولآخر مجهولاً ، وغيب المستقبل حقيقي لا يكون معلوماً لأحد إلا الله وحده أو من أطلعه عليه من الرسل فمن أدعى علمه فهو كافر لأنه مكذب لله عز وجل ولرسوله ، قال الله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)النمل65 , وخامسها من حكم بغير ما أنزل الله , فالحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته، وكمال ملكه وتصرفه ، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أربابا لمتبعيهم فقال سبحانه (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)التوبة31 ، فسمى الله تعالى المتبوعين أربابا حيث جعلوا مشرعين مع الله تعالى، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى.
الدرس العاشر الردة وأنواعها
باب في تعريف الردة
س1) عرف الردة لغة و شرعا؟
الردة لغة: الرجوع، قال تعالى (وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ)المائدة21 , أي: لا ترجعوا، والردة في الاصطلاح الشرعي هي: الكفرُ بعد الإسلام، قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فيها خَالِدُونَ)البقرة21.
باب في أنواع الردة
س2) ما هي أنواع الردة؟
الردة تحصل بارتكاب ناقضٍ من نواقضِ الإسلام، ونواقضُ الإسلام كثيرة ترجع إلى أربعة أقسام، هي:1-الردة بالقول: كسبِّ الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ملائكته، أو أحد من رسله. أو ادّعاء علم الغيب، أو ادّعاء النبوة، أو تصديق من يدعيها. أو دعاء غير الله، أو الاستعانة به فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستعاذة به فيما لا يقدر عليه إلا الله 2- الردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر، والحجر والقبور، والذبح لها. وإلقاء المصحف في المواطن القذرة، وعمل السحر، وتعلمه وتعليمه، والحكم بغير ما أنزل الله معتقدًا حله . 3- الردة بالاعتقاد، كاعتقاد الشريك لله، أو أن الزنا والخمر والربا حلال، أو أن الخبز حرام، وأن الصلاة غير واجبة، ونحو ذلك مما أُجمع على حله، أو حرمته أو وجوبه، إجماعًا قطعيًّا، ومثله لا يجهله . 4 - الردة بالشك في شيء مما سبق، كمن شكَّ في تحريم الشرك، أو تحريم الزنا والخمر، أو في حل الخبز، أو شك في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم أو رسالة غيره من الأنبياء، أو في صدقه، أو في دين الإسلام، أو في صلاحيته لهذا الزمان.5- الردة بالترك، كمن ترك الصلاة متعمدًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)مسلم , وغيره من الأدلة على كفر تارك الصلاة.
الدرس الحادي عشر الفسق
باب ما جاء في الفسق
س1) عرف الفسق لغة و شرعا؟
الفسق لغة هو الخروج . الفسق شرعًا الخروج عن طاعة الله ، وهو يشمل الخروج الكلي ، فيقالُ للكافر فاسق ، والخروج الجزئي ؛ فيقال للمؤمن المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب فاسق , ومن التعريف يتضح أن الفسق فسقان فسق ينقل عن الملة ، وهو الكفر ، فيسمى الكافر فاسقًا ، فقد ذكر الله إبليس فقال (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)الكهف50 , وكان ذلك الفسق منه كُفرًا , وقال الله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ) , يريد الكفار، دلَّ على ذلك قوله (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)السجدة20 , ويُسمَّى مرتكب الكبيرة من المسلمين: فاسقًا، ولم يُخرجهُ فسقُهُ من الإسلام، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)النور4 , وقال تعالى (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)البقرة196 , وقال العلماء في تفسير الفسوق هنا: هو المعاصي.
الدرس الثاني عشر الضلال
باب ما جاء في الضلال
س1) ما هي الضلالة و ما أنواعها؟
الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، وهو ضد الهداية، قال تعالى (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)الإسراء15 , والضلالُ يطلق على عدة معان : فتارةً يُطلقُ على الكفر، قال تعالى (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا)النساء136 , وتارة يُطلقُ على الشرك، قال تعالى (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا)النساء116 , وتارة يُطلقُ على المخالفة التي هي دون الكفر، كما يقال: الفرق الضالة: أي المخالفة , وتارة يُطلق على الخطأ، ومنه قولُ موسى عليه السلام (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)الشعراء20 , وتارةً يُطلقُ على النسيان، ومنه قوله تعالى (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)البقرة282 , ويُطلقُ الضلالُ على الضياع والغيبة، ومنه: ضالة الإبل.
الدرس الثالث عشر السحر وأنواعه
باب ما جاء في السحر وأنواعه
س1) عرف السحر و اذكر أنواعه؟
السحر لغة ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السَّحَر لآخر الليل، لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السحور، لما يؤكل في آخر الليل، لأنه يكون خفياً، فكل شيء خفي سببه يسمى سحراً, وأما في الشرع، فإنه ينقسم إلى قسمين : الأول: عقد ورقي، أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)البقرة 102 , الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله، فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف , فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك فيؤثر في بدن المسحور بإضعافه شيئاً فشيئاً حتى يهلك , وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه , وفي عقله، فربما يصل إلى الجنون والعياذ بالله , فالنوع الأول شرك ، وهو الذي يكون بواسطة الشياطين ، يعبدهم ويتقرب إليهم ليسلطهم على المسحور , و الثاني عدوان ، وفسق وهو الذي يكون بواسطة الأدوية والعقاقير ونحوها.
الدرس الرابع عشر الكهان والعراف
باب ما جاء في الكهان والعراف
س1) ما هي الكهانة و ما العرافة و ما حكم كل منهما في الدين؟
الكهان جمع كاهن ، والكهنة أيضاً جمع كاهن ، وهم قوم يكونون في أحياء العرب يتحاكم الناس إليهم، وتتصل بهم الشياطين، وتخبرهم عما كان في السماء، تسترق السمع من السماء ، وتخبر الكاهن به ، ثم الكاهن يضيف إلى هذا الخبر ما يضيف من الأخبار الكاذبة ، ويخبر الناس ، فإذا وقع مما أخبر به شيء ، اعتقده الناس عالماً بالغيب ، فصاروا يتحاكمون إليهم , قال تعالى (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)الشعراء221،223 , والكهانة لا تخلو من الشرك؛ لأنها تَقَرُّبٌ إلى الشياطين بما يحبون؛ فهي شرك في الربوبية من حيث ادعاء مشاركة الله في علمه، وشرك في الألوهية من حيث التقرب إلى غير الله بشيء من العبادة , قال صلى الله عليه وسلم (من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)صححه الألباني , أما العراف فهي صيغة مبالغة من العارف ، أو نسبة ، أي من ينتسب إلى العرافة والعراف قيل هو الكاهن وهو الذي يخبر عن المستقبل وقيل هو اسم عام للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم.
الدرس الخامس عشر النشرة وأنواعها
باب في تعريف النشرة
س1) عرف النشرة لغة و شرعا؟
النشرة لغة بضم النون فعلة من النشر، وهو التفريق ,النشرة الاصطلاح حل السحر عن المسحور.
باب في أنواع النشرة
س2) ما هي أنواع النشرة ؟
النشرة نوعين : الأول حل بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان , الثاني النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة ، فهذا جائز.
الدرس السادس عشر الرقى وأنواعها
باب في تعريف الرقى
س1) عرف الرقى؟
الرقى: جمع رقية، والرقية معروفة قد كانت العرب تستعملها، وحقيقتها أنها أدعية وألفاظ تٌقال أو تتلا ثم يُنْفَثُ بها، ومنها ما له أثر عضوي في البدن، ومنها ما له أثر على الأرواح، ومنها ما هو جائز مشروع، ومنها ما هو شرك ,والنبي عليه الصلاة والسلام رَقَى ورُقِيَ؛ رقى غيره ورَقى نفسه عليه الصلاة والسلام ورُقي أيضا؛ رقاه جبريل ورقته عائشة ونحو ذلك.
باب في أنواع الرقى
س2) ما هي أنواع الرقى؟
الرقى نوعان : النوع الأول: ما كان خاليًا من الشِّرك، بأن يُقرأ على المريض شيء من القرآن، أو يُعَوَّذ بأسماء الله وصفاته؛ فهذا مُباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رَقى وأمر بالرُّقية وأجازها، فعن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله، ك في ذلك؟ فقال (اعرِضوا عليَّ رُقاكُم، لا بأسَ بالرقى ما لم تكن شركًا)مسلم , النوع الثاني: ما لم يخلُ من الشّرك: وهي الرقى التي يُستعانُ فيها بغير الله، من دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الجن، أو بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين؛ فهذا دعاء لغير الله، وهُوَ شركٌ أكبر. أو يكون بغير اللسان العربي،ا لا يُعرف معناه؛ لأنه يُخشى أن يدخلها كفر أو شرك ولا يُعلمُ عنه؛ فهذا النوع من الرقية ممنوع.
باب في شروط جواز الرقى
س3) ما هي الشروط لجواز الرقى؟
الرقية تجوز بثلاثة شروط : أولها أن تكون بالقرآن أو بأسماء الله أو بصفاته , والثانية أن تكون بالكلام العربي أي بلسان عربي مفهوم؛ يُعلم معناه , والثالثة أن لا يعتقد أنها تنفع بنفسها؛ بل الله جل وعلا هو الذي ينفع بالرقى.
الدرس السابع عشر التمائم وأنواعها
باب في تعريف التمائم
س1) عرف التمائم؟
التمائم جمع تميمة ، و هي ما يعلق بأعناق الصبيان ؛ لدفع العين ، و قد يعلق على الكبار من الرجال و النساء , وسميت تميمة، لأنهم يرون أنه يتم بها دفع العين.
باب في أنواع التمائم
س2) ما هي أنواع التمائم؟
التمائم نوعان : النوع الأول من التمائم ما كان من القرآن؛ بأن يكتب آيات من القرآن، أو من أسماء الله وصفاته، ويعلقها للاستشفاء بها؛ فهذا النوع قد اختلف فيه العلماءُ في حكم تعليقه على قولين: القول الأول: الجواز . القول الثاني: المنع من ذلك , والقول الصحيح عدم الجواز وذلك لما يأتي : قوله صلى الله عليه وسلم (إن الرقى و التمائم و التولة شرك) , وهذا النهي عام و لا مخصص له , سد الذريعة فإنها تفضي إلى تعليق ما ليس مباحًا ,و أنه إذا علق شيئًا من القرآن، فقد يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة و الاستنجاء و نحو ذلك , والنوع الثاني ما كان من غير القرآن كالخرز و العظام و الودع و الخيوط و النعال و المسامير، و أسماء الشياطين و الجن و الطلاسم، فهذا محرم قطعًا، و هو من الشرك ؛ لأنه تعلق على غير الله سبحانه وأسمائه و صفاته و آياته، و في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (من تعلق شيئًا وكل إليه).
الدرس الثامن عشر الغلو و الإطراء
باب ما جاء في الغلو و الإطراء
س1) ما هو الغلو و ما الإطراء؟
الغلو هو تجاوز الحد، يقال غلا غلوا، إذا تجاوز الحد في القدر، قال تعالى (لا تغلوا في دينكم) أي لا تتجاوزوا الحد والمراد بالغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم مجاوزة الحد في قدره ؛ بأن يرفع فوق مرتبة العبودية والرسالة ، و يجعل له شيء من خصائص الإلهية ، بأن يدعى ويستغاث به من دون الله ، ويحلف به , والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح ، و الكذب فيه، و المراد بالإطراء في حقه صلى الله عليه وسلم أن يزاد في مدحه ، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله و رسوله) أي لا تمدحوني بالباطل ، و لا تجاوزوا الحد في مدحي ، كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألوهية ، و صفوني بما و صفني به ربي ، فقولوا عبد الله و رسوله.
الدرس التاسع عشر البدعة وأنواعها
باب في تعريف البدعة
س1) عرف البدعة؟
البدعة مأخوذة من البَدْع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)البقرة117 , أي مخترعها على غير مثال سابق، قوله تعالى (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُل)الأحقاف9 , أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل , ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدأ طريقة لم يسبق إليها.
باب في أنواع البدعة
س2) ما هي أنواع البدعة؟
الابتداع على قسمين : ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح؛ لأن الأصل في العادات الإباحة , وابتداع في الدين، وهذا مُحرَّم؛ لأن الأصل فيه التوقيف ، قال صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)رواه البخاري ومسلم، وفي رواية (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)مسلم.
باب في أنواع البدعة في الدين
س3) ما هي أنواع البدعة في الدين؟
البدعة في الدين نوعان : النوع الأول: بدعة قوليّة اعتقاديّة , كمقالات الجهميّة والمعتزلة والرّافضة، وسائر الفرق الضّالّة، واعتقاداتهم , النوع الثاني: بدعة في العبادات , كالتّعبّد لله بعبادة لم يشرعها، وهي أقسام : القسم الأول: ما يكون في أصل العبادة: بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع، كأن يحدث صلاة غير مشروعة أو صيامًا غير مشروع أصلًا، أو أعيادًا غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها , القسم الثاني: ما يكون من الزيادة في العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلًا , القسم الثالث: ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة؛ بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأفكار المشروعة بأصوات جماعية مُطربة، وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم , القسم الرابع: ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة؛ لم يخصصه الشرع كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام، فإن أصل الصيام والقيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.
باب في حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها
س4) ما حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها؟
كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة، لقوله صلى الله عليه وسلم (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)رواه الترمذي , وقوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)مسلم , فدل الحديثان على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة، فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرّبًا إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم، وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة. ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء لها، ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية، ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائمًا في الشمس، والإخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.
تم البحث و الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه و آله و صحبه أجمعين