الصـبر واليقـين
خامـساً : الصـبر واليقـين : لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ }(1).
قال أهل العلم فـي تفسيرها : (( بالصبر واليقين ؛ تنال الإمامة فـي الدين )).
والصبر : (( حبس النفس على ما تكره )).
واليقين : (( استقرار الإيمان فـي القلب )) (2) ؛ حتى يطمئن به ، فكأنك ترى الأمر رأي عين ، شاهده قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى . . . }(3).
وقوله : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَةً مِّنَ السَّـمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِـنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْـمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا . . .}(4).
وقوله : { وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }(5).
(( يقال فـي اللغة : يقن الماء فـي الحفرة ، أي استقر ))(2).
واجعل نصب عينيك قول القائل :
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا
وقل دائماً وردد :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فلن تنال ما تتمن إلا على جسر من التعب.
قال الشاعر :
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
وكما قد قيل : (( بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى )).
إنه الصعود إلى المعالي فليس بالشيء الـهين اليسير ، إنه المجد ، والرفعة ؛ بضاعة غلا ثمنها ، وعز طلابها ، ولكنها نعم البضاعة.
واعلم ؛ حاطـك اللَّـه أن للعلم لذةً ، و (( حلاوة ستغيب عنك مرارة الصبر )) ، وتنسيك (( رعيك في الدُّجَى روض السُّهَاد )) ، وأن للنجاح والظفر عرشاً لا يجلس عليه إلا الصُّبْر من الرجال.
فلن يتأتى لك ما تريد إلا بعزم من حديد ، فعليك بالجد والمجاهدة ، والصبر والمصابرة ، ومخادعة النفس لشرف ونفاسة ما تطلب ، فقد قطعت دون ذلك أعناق كثير من الرجال ؛ وما أدركوا منه شيئاً ، فشمر تشمير من لا يألو جهداً ، ولا يضيع وقتاً . . فالتعب حاصل ولا بد ؛ فكن كبير النفس ، عالي الـهمة ، يقظ القريحة ، عميق الفكرة ، نافذ البصيرة ، حسن التفاؤل.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام