لعنة الله عليهم قال الله تعالى واصفاً لنا حال الكفار ((أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ))
والكاف ههنا للتشبيه .. فهم ليسوا أنعاماً حقيقةً .. لكنّهم يُشبهونها في صفات نالوها بجدارة
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان .. وجعله خليفة في الأرض ليقيم الدين وليعبده حقّ عبادته
وكرّم الله بني آدم .. وفضّلهم على كثير من الخلق .. وجعلهم بالفطرة مجبولين على طاعته .. قال تعالى :
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
قال السعدي رحمه الله : وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة .
.
.
فانقسم بني آدم بتلقّي هذا التكريم إلى قسمين اثنين : "مؤمن "و " كافر " .. قال تعالى :
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
فالمؤمن هو من استحقّ هذا التكريم .. وطلبه وناله .. فكان من المٌكرّمين في الدنيا .. واستحقّ الجنّة في الآخرة
أمّا الكافر فقد رفض هذا التكريم .. وقنُع بمرتبة دون مرتبة التكريم الإنساني التي أعطاه الله إيّاها .. فتنازل عنها .. حتّى قال الله في أقرانه من الكافرين :
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
قال ابن كثير رحمه الله
:أي أسوأ حالا من الأنعام السارحة، فإن تلك تعقل ما خلقت له، وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، وهم يعبدون غيره ويشركون به، مع قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسل إليهم.
قال السمرقندي:
أتظن أنهم يريدون الهدى أو { يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } الهدى { إِنْ هُمْ إِلاَّ كالانعام } في الأكل والشرب ، ولا يتفكرون في أمر الآخرة ، { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } يعني : أخطأ طريقاً من البهائم ، لأن البهائم ليسوا بمأمورين ، ولا بمنهيين .
قال الزمخشري : فإن قلتَ : كيف جعلوا أضل من الأنعام؟
قلتُ : لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها ، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها ، وتجتنب ما يضرها ، وتهتدي لمراعيها ومشاربها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ، ولا يهتدون للحق .