تناقلت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية في الآونة الأخيرة خبر عمل أحد الشركات السعودية على استقدام مايقارب العشرة آلاف عامل نظافة يمني بعقود عمل مؤقتة ، في مشهد عبر عنه البعض بأنه يمثل إساءة وإهانة للشعب اليمني وأنه حقق نبوءة السبعينيّات في السعودية حين ردد البعض شعارات من قبيل "ياعماني ياعماني خل المكنسة لليماني"..!! بينما اعتبره البعض الآخر أمراً طبيعياً يدخل ضمن إطار التعاون المشترك بين البلدين ويمثل بارقة أمل في إعطاء الفرصة للعامل اليمني قبل غيره في أن يحل محل العمالة المرحلة ، في إشارة إلى العمالة البنغالية التي يجري العمل على التخلص منها لكثرة مشاكلها..!:064::064:
تفاسير عديدة وآراء مختلفة ومتضاربة بين مؤيد ومعارض يستدرّها قرار كهذا ، ولكن تبقى الحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها أو المجادلة فيها هي أن الأوضاع المعيشية في اليمن ونسبة الفقر المرتفعة باضطراد مخيف ، تجعل من عمل اليمني كعامل نظافة أمراً طبيعياً يجب أن نتقبله وفرصة عمل ذهبية لاتعوض بالنسبة للبعض..!
فمن يضطره الفقر لأن يتاجر بعرضه أو يزوج ابنته زواجاً "سياحياً" ، لاشك أن مثل هذا العمل وإن استحقره البعض أشرف وأكثر صوناً له ولعرضه..!
ومن يمد يده للغير ويهين نفسه ويشحذ هو وأبناؤه على أبواب المساجد ، لاريب أن عمله كعامل نظافة أدعى لحفظ كرامته وكرامة أطفاله بل وحتى سمعة دولته التي باتت مصدّر رئيسي للـ"شحاتين" بمختلف أعمارهم إلى دول المنطقة..!
وفي المقابل فإن الخطر الداهم على دول الخليج وهويتها العربية ، بات يحتم النظر بجدية في مسألة العمالة الأجنبية وضرورة استبدالها بعمالة عربية.. فمقولة أن العمالة العربية لاتقبل بالوظائف التي تعمل بها العمالة الأجنبية هي بنظري عبارة عن قناع وحجة لدى البعض في تلك الدول ممن لايرغبون باستقدام العمالة العربية ويضعون أمام ذلك شتى الحواجز والعراقيل لأسباب سياسية بحته ، فالظروف الحالية التي تمر بها الدول العربية الفقيرة تثبت عدم صحة هذه المقولة في زمننا هذا.. فعامل البناء العربي مثلاً في سوريا أو في مصر أو في المغرب والذي لايجد مايسد به رمقه ، لن يمانع في أن يعمل بنفس مهنته في الخليج ويتقاضى أجراً على ذلك وإن قل ، فذلك أفضل في جميع الأحوال بالنسبة له من أن يموت هو وعائلته جوعاً في دولته الأم..!
لذا فالحقيقة اليوم هي أن كلا الطرفين بحاجة إلى الآخر.. دول الخليج بحاجة للحفاظ على هويتها وتأمين مستقبل مجتمعاتها ، والدول العربية الفقيرة بحاجة لمن يخفف على شعوبها وطئة الفقر ويخلق لهم فرص عمل عجزت حكوماتهم عن خلقها..
فلِمَ لا تستغل اليمن مثل هذه الفرص وتبادر بالتنسيق مع اتحادات العمال ووزارات العمل في الدول الخليجية من أجل أن تحل العمالة اليمنية محل العمالة الأجنبية في كل القطاعات التي تشغلها حالياً ، كقطاع الإنشاءات والنظافة وسائر المهن الخدمية الأخرى..؟!
وهل سنرى الخليج يمنياً بالفعل عمّا قريب -كما تساءل البعض- ..؟!
دمتم بخير