سُئل واحد من الأطباء القدماء عن مفهوم الصحة فقال لسائله
رأس خال من الهموم وأرجل دافئة عند النوم) والتزم الصمت.
لم يفهم السائل المعنى الحقيقي لمفهوم الصحة فعاود السؤال ونال الجواب نفسه.
أخذ السائل السؤال لعدد من الناس البسطاء فسأل واحدا منهم.. لماذا أنت عظيم الهموم؟ فقال له: لأنني كثير الديون.
ووجه سؤاله لآخر: هل تنام وأرجلك دافئة عند النوم؟ فقال له: كيف تكون أرجلي دافئة وأنا أعيش الكثير من الهموم؟
لم يفهم السائل جواب الطب القديم ولا
جواب الناس البسطاء.. وفكر ماذا عساه أن يفعل ليجد الجواب المفيد ويشفي غليله؟
أخذ يُقلب الكتب الطبية القديمة والمجلات الاختصاصية في الطب والعلاج والأعشاب والكيمياء والفيزياء والفلك وبعد سنين من البحث توصل إلى مقولة لم يعرف من أين مصدرها وهي تقول (أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟).
واصل الرجل التفكير في هذه المقولة العملاقة وأراد التعرف على مصدرها لكنه كان يراوغ ذاته ويشغلها بأمور تبدو متناقضة مع روحه وفكره وطبيعة غرائزه الإنسانية لكن العلم يهزمه ويعيده لسابق انسانيته ويجبره على المضي قدما للاكتشاف المبهر للحياة.
أخيرا توصل الرجل إلى المعاني السامية من العبارة العملاقة فوجد نفسه أمام حقيقة مذهلة مفادها أن الإنسان إذا خلا رأسه من القلق نام هانئاً واستغرق في النوم وأخذ كفايته من هذه الراحة الغريزية (السبات) التي تأخذ الإنسان والمخلوقات إلى عالم من التخيل والجمال، والعكس إن لم يجد الراحة فإنه يعيش في مجتمع متقاتل وغير عادل والقوي يتحكم في الضعيف وهكذا تبدو الإنسانية متنافرة ومتناقضة ولا تجتمع على اتفاق وقلوبها مختلفة والكون يضيق عليها.
قال صاحب العبارة العملاقة: (الدين هم في الليل وذل في النهار).
والقائل نفسه قال: (من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).
أخذ الرجل يتمتم فيما يقرأ ويكتشف من المعاني السامية التي لو نزلت على جبل لجعلته يتحرك ويؤمن أن الحقيقة بيد هذا القائل العملاق.. وقرر تغيير نمط تفكيره والبحث عن علوم جديدة وكلما اكتشف علما ازداد يقينا وتضاءل حجمه أمام هذا القول: (ينهمر مني السيل ولا يرقى إلي الطير).