جاري تحميل محرك البحث

اهلاً وسهلاً بك في مجلس الخلاقي!
لكي تتمكن من المشاركه يجب بان تكون عضو معنا تسجيل الدخول بإستخدام الفيسبوك

تـسـجـيـل الـدخـول

|| للتسجيل معنا

الغناء اليافعي ورائدة يحيى عمر

موضوع في 'د.علي صالح الخلاقي' بواسطة بجاش, سبتمبر 22, 2012.

    • :: إدارة المجلس ::

    بجاش

    • المستوى: 8
    تاريخ الإنضمام:
    ديسمبر 28, 2007
    عدد المشاركات:
    7,326
    عدد المعجبين:
    964
    مكان الإقامة:
    قطر

    الغناء اليافعي ورائده يحيى عمر اليافعي

    مقدمة حول الغناء اليافعي:
    ليس لدينا ما يشير إلى واقع الغناء والطرب

    د. kh1.jpg صالح الخلاقي
    في عصر يحيى عمر، ليس فقط على مستوى يافع – مسقط رأس الشاعر - بل وفي مختلف مناطق اليمن عموماً، بيد أن الغناء والطرب اليافعي في ذلك العهد وحتى إلى ما قبل أربعة عقود مضت قد أمتاز بالطابع الفلكلوري التقليدي، الضارب في القدم، المستند على إيقاعات متناغمة مع الرقصات والألعاب الشعبية التي يؤديها الرجال والنساء والأطفال، ويعبَّرون من خلالها عن أفراحهم وأتراحهم، سواء في الأعياد الدينية أو حفلات الزفاف أو تلك المصاحبة لهم أثناء تأدية أعمالهم المختلفة وفي الطقوس الحياتية اليومية المتعددة. فالغناء يرافق أعمال البناء والعمل الزراعي، ولا يزال لكل موسم زراعي أغانيه المميزة التي يؤديها الرجال والنساء بصورة مشترك في كل موسم زراعي، كما أن للرعاة أغانيهم ومواويلهم الخاصة، وهناك الزوامل القبيلة التي تبث الشجاعة وتحض على القيم النبيلة في نفوس أبناء القبيلة في الحروب والمناسبات الاجتماعية الأخرى، وكذلك التراتيل والموشحات الدينية، وغناء وإنشاد القصائد في جلسات السمر أو الراحة بمصاحبة القرع على الطبول أو بمرافقة آلة ذات نغم إيقاعي. وهناك أغانٍ خاصة بالنساء تؤدى عند طحن الحبوب أو جلب الحطب أو الماء أو هدهدة الأطفال وتنويمهم، أو في حفلات الزفاف حيث يتدرج الغناء الذي تؤديه النسوة وتتنوع إيقاعاته في المراحل المتعددة لحفل الزفاف، كالهدان والزفة وإقامة صفوف خاصة للغناء المصحوب بحركات راقصة تردد خلالها الأبيات الشعرية التي يرتجلها الشعراء في حلبات الصفوف النسائية وغير ذلك. ولقد ظلت المرأة إلى ما قبل العقد الأخير من القرن العشرين لا تعرف الحجاب، تعمل في الأرض وتجلب الحطب والماء وتطحن الحبوب وتشارك في الأفراح والأعياد، حيث تؤدي الرقصات النسائية وتردد الأغاني المصاحبة لها سواء في المنازل أو في المهرجانات العامة أو الزيارات التي تقام في الساحات العامة المكشوفة.

    يصف الأديب الراحل محمد سعيد جرادة ما شاهده في إحدى الزيارات التقليدية السنوية في العام 1978م بقوله: "وفي يافع شهدنا أكثر من حفل تمثل فيه روح الإنسان اليمني الحضاري الذي تؤدي قدماه وسائر أجزاء جسمه الرقصة في إيقاع تعبيري يمتاز برهافة الحس ورقة المشاعر، ويؤدي لسانه القول سهل المأخذ قريب التناول لأنه يجري من القلب إلى اللسان جريان النبع من الربوة الغناء إلى السفح الخصيب.. وفي حفل الزواج تُعرَض أنواع من الرقصات الشعبية, فهناك الرقصة الجماعية التي تؤديها مجاميع من النساء يتحلقن في صفوف متراصة ووسط الحلبة يقف شعراء شعبيون يرتجلون مقاطع من الشعر يدور حول المناسبة ذاتها, وما أن ينتهي الشاعر من إلقاء شعره حتى ترتفع عقيرة الراقصات متغنية بآخر بيت أو بيتين من مقطعه الشعري وهن يختطفن من فمه الشعر بسرعة تسجيلية فوتوغرافية لا يتخللها بتر ولا خطأ.. وفي ساحة واسعة قريبة من سوق 14 اكتوبر شهدنا محيطاً متلاطم الأمواج من النساء اللاتي مثلَّن معرضاً جمالياً يشبه - إن لم يفق – معارض الجمال التي تقام في البلدان المتحضرة. إن النساء يتحلقن صفوفاً في تشكيلات منتظمة وقد ارتدين أحسن الملابس وزَيَّن الأجياد والخصور والسيقان بأنواع الحلي الفضية، ويؤدي الشعراء الشعبيون في هذه الاحتفالات الدور نفسه الذي يؤدونه في حفلات الاعراس"(i).

    وقالت صحفية فرنسية عندما زارت يافع بعد أن شاهدت مهرجانات عيد الأضحى:" إن ما شاهدته، مهرجان نسوي كبير الفرق بينه وبين أوروبا، إننا نشاهده هناك بتذكرة دخول بينما تشاهدونه بالمجان"(ii).

    ظلت الأدوات الموسيقية التقليدية المصاحبة للرقص والغناء هي السائدة بأنواعها المختلفة التي يتم تصنيع بعضها أو أجزاء منها من خامات محلية كالطبل والطاسة والمَرْوَس والمَرْفَعْ والشُبَّابة (الناي) والمزمار والطار (الدف)، ورغم دخول بعض الآلات الموسيقية الحديثة، كالقنبوس الذي كان يعزف عليه الفنان الشاعر يحيى عمر وأخيراً العود والآلات المصاحبة الأخرى، إلاَّ أن الآلات التقليدية لم تفقد مكانتها حتى اليوم، ولا زالت شائعة الاستخدام في كثير من المناسبات.

    ويقول محمد سعيد جرادة: "إن الأغنية اليافعية تكاد تكون معاصرة للأغنية الصنعانية، فهي إذن أقدم من الأغنية اللحجية والحضرمية. فقبل القمندان لم نسمع القصيدة اللحجية ومن أجل ذلك تواتر القول بأن القمندان هو صانع الأغنية اللحجية. وفي حضرموت خلط محمد جمعه خان بين الأغنية الهندية والأغنية الحضرمية حتى خلص الفن الخاص بالمنطقة على يد شيخ البار وغيره من الغنائيين المعاصرين الذين يمثل المحضار من بينهم في صنع الأغنية التي تحمل طابع حضرموت بسماتها وخصائصها الفنية الأصيلة. أقول هذا وأنا أعلم أن لكل من لحج وحضرموت وغيرهما من المناطق اليمنية تراثاً فولكلورياً يتمثل بالأغنية الخاصة بموسم الزراعة وحفلات الأعراس والأعياد وغيرها من المناسبات العامة. ولكن اقصد أن هذا التراث الفولكلوري كان محصوراً كلياً في منطقته لا يتعداها إلى ناحية أخرى من نواحي اليمن، ولم يبلغ من الشهرة والذيوع والانتشار ما بلغته الأغنية الصنعانية والأغنية اليافعية اللتان دارت كلماتهما وألحانهما على كل لسان بحيث لا تكاد تجهلهما أية ناحية من نواحي اليمن على وجه العموم"(iii).
    وفي ذات المعنى كتب الأستاذ الفنان أحمد بن غوذل في مقال له نشر في صحيفة 14 أكتوبر يقول:" ظل الغناء القديم واعني به الغناء التقليدي والغناء الشعبي اليمني محتفظاً بطابعه ردحاً من الزمن ولقد كان للأغنية الصنعانية والأغنية اليافعية دوراً بارزاً. كما كان لها نصيب الأسد من مجمل الألوان الغنائية في الساحة اليمنية وخاصة صنعاء وعدن, حيث انتشر هذا اللون بين الأوساط الفنية والعامة، أما بالنسبة للون الغنائي الحضرمي واللون الغنائي اللحجي فلم يكونا شائعين ومسيطرين بالصورة التي كان عليها الغناء الصنعاني أو الغناء اليافعي بل كادا أن يكونا محصورين على مستوى لحج ونواحيها وحضرموت ونواحيها بالداخل والساحل.. وكانت الأغنية الصنعانية والأغنية اليافعية تتناقلان شفاهاً من جيل لآخر بلحنهما وكلماتهما"(iv).

    يحيى عمر أحد أعمدة الغناء اليمني ورائده في المهجر:

    ارتبط ذيوع وانتشار الأغنية اليافعية باسم الفنان الشاعر يحيى عمر اليافعي "أبو معجب" فهو حامل لواءها ومجدد وصانع معظم ألحانها وإيقاعاتها المتميزة التي خرج بها من نطاق المحلية الضيق إلى فضاءات وطنية وعربية أرحب وأصبحت بفضله من الألوان المميزة في الغناء اليمني.وإذا ما أردنا أن نتحدث عن طابع وخصوصية الأغاني في المناطق اليمنية ونضع التسميات الصحيحة لها، فيمكن ببساطة أن نلغي كلمة (يافع) ونتحدث عن اتجاه (يحيى عمر)في الأغاني اليمنية لأنه لم يكن شاعراً فحسب وإنما أيضاً ملحناً وعازفاً ومغنياً.وهكذا فأن الحديث عن تأثير الأغنية اليافعية، يعني في الأساس الحديث عن تلك الألحان التي صاغها وأبدعها في قالب فني مميز الشاعر والفنان والملحن يحيى عمراليافعي، قبل حوالي 300 سنة، مستمداً ذلك من ينبوع الفولكلور الغنائي اليافعي الذي طبعه بطابعه الخاص، ومن خلال ألحانه وأغانيه انتشرت الأغنية اليمنية بلونها اليافعي وإيقاعها المميز وشاعت في كثير من المناطق داخل اليمن وفي الجزيرة والخليج العربي.

    كتب أبوبكر أحمد عيسى في صحيفة (14 اكتوبر)يقول:"المتعارف عليه أن هناك ثلاثة ألوان في الغناء اليمني هي اللون الحضرمي والصنعاني واليافعي.ولماذا سُمّي هذا باللون الحضرمي والآخر صنعاني أو يافعي؟

    إن الغناء هو أسلوب التعبير بشكل فني موسيقي يعكس نفسه على واقع الحياة للفنان أو المجتمع المنتمي إليه ذلك الفنان والموسيقى هي تركيب الألحان بزمن إيقاعي منظم، والإيقاع وحده يدخل في حياة الإنسان الاعتيادية.

    وإذا قلنا أن هناك لوناً حضرمياً فيجب أن تكون هناك خصائص معينة في التركيب اللحني والإيقاعي لهذا اللون وان أي شخص يسمع أغنية يدرك انتماءها بسرعة لهذا اللون أو ذاك.
    والغناء اليافعي فقد ابتدعه الشاعر يحيى عمر وما يميز هذا اللون هو الإيقاع لأنه لا مثيل له ويستخدم في زوامل أهل يافع وتلحن أشعارهم على نفس الإيقاع وتؤدى رقصاتهم عليه وأغنية " يحيى عمر قال قف يا زين "نموذج له، وقد انتقل الإيقاع إلى مناطق أخرى وغنى به فنانون شتى وظل اسمه بالإيقاع اليافعي"(v).

    ويعتبر يحيى عمر اليافعي وبحق أحد كبار أعمدة الأغنية اليمنية، الذين لم يخبو تأثيرهم حتى اليوم، حيث لا زال الناس يحفظون أشعاره الغزلية ويطربون لألحانه الشجية ويترنمون بأغانيه المميزة والكثيرة التي نسمعها بأصوات العديد من الفنانين اليمنيين وغير اليمنيين في الجزيرة والخليج. كتب الأديب عبدالرحمن طيب بعكر يقول :" الأغنية اليمنية منذ القرن الحادي عشر الهجري تمتاز عن مثيلاتها في الأقطار العربية بأنها الأفصح مفردة والأقوم عروضاً والأكثر احتشاماً إلى جانب التزامهم في الغالب بتطييبها بالثناء على المولى سبحانه والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم).ذلك أن كبار أعمدة الأغنية وآبائها كانوا من العلماء وأصحاب الذائقة اللطيفة والمقامات المنيفة، كيحيى عمر اليافعي وشعبان سليم وحيدر آغا وعلى صالح العماري والعنسي والآنسي".

    والفنان الشاعر يحيى عمر اليافعي صاحب مدرسة مميزة من أقدم مدارس الشعر والغناء الشعبي وأحد أعمدة الغناء اليمني وعلماً أدبياً وفنياً مميزاً نهض بالأغنية اليمنية، شعراً ولحناً ومضموناَ، ورائداً لم يسبقه أحد في تحديث وتطوير ونشر الغناء اليمني على نطاق واسع في مختلف مناطق الجزيرة والخليج وفي المهجر الهندي. فقد ابتدع يحيى عمر المعاني الجميلة وفتح أبواب الغزل وطرق موضوعات خرجت عن الرتابة المألوفة وأطال الوصف وأبدع في تصويره، فسبق بذلك جيل العمالقة اللاحقين كالقمندان، مؤسس مدرسة "الغناء اللحجي" والشاعر حسين ابوبكر المحضار، المطور الفحل للأغنية الحضرمية. عن ذلك الدور الريادي المتميز ليحيى عمر يقول فضل النقيب: "لم أقرأ لأديب في القرن الثامن عشر مثل هذا الاختراق الذي تجرأ عليه يحيى عمر في بنية الشعر الغنائي لغة ومضامين وأوزاناً، ومن الأدلة على ذلك في ساحة الجزيرة والخليج أنه ما من مبدع من أحفاده قد استطاع أن يبزه أو يجاريه، ناهيك عن أن يسبقه حتى يومنا هذا، ولا يزالون عالة عليه في فنه الذي اختص به"(vii).

    تغنى بأشعار وألحان يحيى عمر الكثير من الفنانين اليمنيين وفناني الجزيرة والخليج. فمن الفنانين اليمنيين نذكر: علي أبوبكر باشراحيل، عمر محفوظ غابة، إبراهيم محمد الماس، عوض عبدالله المسلمي، أحمد عوض الجراش، محمد سعيد مهدي، محمد صالح الحضرمي، محمد سالم بن شامخ، محمد مرشد ناجي، أبوبكر سالم بلفقيه، فيصل علوي, خليل محمد خليل، عبود الخواجه، علي صالح يافعي، عبدالله محمد ناصر (أبو حمدي)، عبدالرحمن ثابت وعشرات الفنانين الشعبين(viii).

    وعلى مستوى الجزيرة والخليج:" فاق تأثر الأغنية الخليجية بفن (يحيى عمر)، أو الفن (اليافعي خاصة) أكثر من تأثرها بالغناء اليمني بشكل عام.. وهكذا نلاحظ بأن تأثر منطقة الخليج بالغناء اليافعي واضحاً في ترديد الفنانين الخليجيين لأغاني يحيى عمر، وكذا ترديد الأغاني اليافعية التي غناها الفنانون اليمنيون وخاصة الحضارم منهم"(ix).
    وقد غنى ولازال يغني كثيرون من فناني الجزيرة والخليج بألحان وأشعار يحيى عمر نذكر منهم: محمد زويد، محمد بن فارس، ضاحي بن وليد،إبراهيم حبيب، عوض الدوخي، طلال مداح، سالم راشد الصوري، محمود حلواني، ابن الساحل، محمد التناك، جمال العثمان، محمد عبده، عبدالمجيد عبدالله.. وغيرهم. ويكفي أن نشير إلى التأثير الذي تركته غنائيات يحيى عمر على الفن البحريني – كمثال – على يد أشهر فنانيها المرحوم محمد بن فارس ( 1895-1947م) الذي عُرف بأنه أبو الأصوات الخليجية، وأنه أبرع وأشهر من غناها. فهذا الفنان وحده قد غنى أكثر من 34 أغنية من أغنيات يحيى عمر، وردت جميعها في الكتاب الصادر عنه(x) محتلة المرتبة الأولى، سواء من حيث الترتيب أو الكثرة مقارنة بما غناه لغير يحيى عمر من أشعار، هذا عدا عن تلك الأغاني التي أوردها مجهولة أو منسوبة لآخرين فيما هي في الواقع ليحيى عمر. وقد كان هذا الكتاب من بين مصادرنا الهامة في عملنا هذا، خاصة في الاستفادة من القصائد التي وردت فيه ولم ترد في كتاب "غنائيات يحيى عمر".

    ورغم شهرة يحيى عمر الكبيرة التي تملأ الآفاق وانتشار أشعاره وألحانه التي تأسر القلوب، والتي تحيا وتعيش كاسمه متجددة متألقة، دون أن تفقد رونقها وطلاوتها مع تقادم الزمن وكأنها بنت اللحظة الحاضرة، إلاَّ أن صاحب هذه العبقرية الفذة - التي لم يَجُد الزمان بمثلها منذ ثلاثة قرون - قد ظل إلى عهد قريب أقرب إلى الأسطورة منه إلى الحقيقة، يختلف الناس حول أصله ونسبه ومسقط رأسه وزمن حياته ووفاته،لأن شيئاً مدوناً لم يصل إلينا من عصره يمكن أن يساعد في إيضاح الحقائق وإزالة الغموض الذي ما زال يلف سيرته وحياته، والمعلومات القليلة المنشورة عنه لا تفي برسم صورة متكاملة عنه، فضلاً عن تضاربها واختلافها وجنوحها إلى التخمين الذي لا يمكن الركون إليه في صنع الحقائق وتقريرها. ثم أن شخصيته وشعره لم يحظيا بالاهتمام الرسمي من قبل القائمين على الشأن الثقافي في بلادنا، قبل وبعد الوحدة، وحتى اللحظة، مع أنه كان أكثر من خدم الفن اليمني ونشره على نطاق دول الجزيرة العربية والخليج والهند حيث عاش حياته سفيراً فنياً متجولاً تسبقه شهرته وموهبته التي صاغت أروع الكلمات وأشجى الألحان الخالدة، وحري بنا أن نكرمه ونقيم له المهرجانات السنوية كأقل وفاء لأمثاله.

انشر هذه الصفحة