حدث في بيرو

حدث في بيرو

السيد زهره
الخبر يقول إن حكومة بيرو قررت تقديم استقالتها بالكامل إلى الرئيس بسبب فضيحة فساد تفجرت. الفضيحة تتعلق بتورط بعض المسئولين في الحصول على رشاوى في مقابل منح تعاقدات نفطية. الحكومة قررت تقديم استقالتها الجماعية على الرغم من ان وزير الطاقة واثنين آخرين من المسئولين كانا قد سبق أن قدما استقالاتهم بالفعل. فلماذا استقالت الحكومة بكاملها إذن؟ ما الذي دفعها إلى ذلك؟ ثلاثة تطورات شهدتها بيرو قادت إلى ذلك: كان التطور الأول، ان التلفزيون قام ببث تسجيلات صوتية لمسئولين تثبت بالفعل تورطهم في تلقي الرشاوى. والتطور الثاني: ان الكونجرس في بيرو أصر على محاسبة الحكومة بسبب الفضيحة، وقرر التصويت على سحب الثقة منها.
أما التطور الثالث والأهم: فهو ان عشرات الآلاف من أبناء الشعب في بيرو، خرجوا في مظاهرات حاشدة في مدن بيرو تنديدا بالفساد والمطالبة بمحاسبة الفاسدين، :23_33_7:واحتجاجا على عدم حصول العمال والفقراء عموما على نصيب عادل من الثروة. هذه التطورات الثلاثة إذن هي التي أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها. رئيس الحكومة برر الاستقالة بالقول إنها تأتي «دفاعا عن شرف الحكومة التي عملت بنزاهة واخلاص«. يريد ان يقول: صحيح ان المتورطين في فضيحة الفساد افراد معدودون، وصحيح ان الحكومة نفسها نزيهة في مجموعها في تقديره، ومع هذا فإن تورط هؤلاء في الفضيحة أساء إلى شرف الحكومة كلها. أي بعبارة اخرى، فإن الحكومة في نهاية المطاف لا يمكن اعفاؤها من تحمل المسئولية عما جرى وعن فساد بعض مسئوليها. إذا تأملنا هذا الذي حدث في بيرو لوجدنا انه يقدم نموذجا عمليا، لا نقول للقضاء على الفساد، وانما للعوامل والجوانب الأساسية الكبرى الكفيلة على الأقل بتحجيم الفساد وردع الفاسدين في المجتمع. وهي كما رأينا عوامل ثلاثة كبرى: اعلام له الحرية ولا يتردد في الكشف عن الفساد والفاسدين حين تتوافر لديه الادلة والوقائع الثابتة، او أجهزة رقابة فعالة تقوم بهذا الدور. برلمان لديه الإرادة والاصرار على محاسبة الفاسدين وملاحقتهم. قوى شعبية لا تصمت ولا تتوارى، وانما ترفض الفساد وتعبر عن ذلك بقوة ووضوح. طبعا لا حاجة بنا إلى أن نقارن هذا بالوضع عندنا في الدول العربية، فنحن جميعا أدرى به، وهو على أية حال يتلخص في: حتى عندما يكشف الإعلام، أو غير الإعلام، عن وقائع فساد مؤكدة وثابتة، فإن الحكومات تستنفر جهودها وتتضامن من أجل حماية الفاسدين من أي ملاحقة او حساب. والبرلمان، إن وجد، فهو أعجز من ان يحاسب فاسدا أو حكومة. والشعب مغلوب على أمره، ان أراد الاحتجاج على فساد أو غيره، في انتظاره القمع. وإلى أن يقدر الله لنا أن نصل إلى حالة بيرو، سيظل الفساد يسرح ويمرح، وينهب الثروة، ويسمم المجتمعات، وهو آمن من أي حساب أو عقاب.