جاري تحميل محرك البحث

اهلاً وسهلاً بك في مجلس الخلاقي!
لكي تتمكن من المشاركه يجب بان تكون عضو معنا تسجيل الدخول بإستخدام الفيسبوك

تـسـجـيـل الـدخـول

|| للتسجيل معنا

ديوان( المرفأ المهجور) للشاعر محمد عبدالله بن شيهون

موضوع في 'الشعر الشعبي' بواسطة د.علي صالح الخلاقي, يونيو 3, 2010.

    • :: الأعضاء ::
    • :: العضويه الذهبيه ::

    د.علي صالح الخلاقي

    • المستوى: 1
    تاريخ الإنضمام:
    يونيو 1, 2010
    عدد المشاركات:
    12
    عدد المعجبين:
    5
    الوظيفة:
    غير متوفر
    مكان الإقامة:
    اليمن
    صدر مؤخراً ديوان(المرفأ المهجور) للشاعر المعروف محمد عبدالله بن شيهون, ضمن إصداراتي المتتالية لعيون الشعر الشعبي اليافعي, ويمكن الحصول على الديوان في مكتبات عدن ( الشيباني والجيل الجديد بجانب مسجد النور بالشيخ عثمان, ومكتبة عبادي وخالد بن الوليد في كريتير) .. وفيما يلي التقديم الذي تصدر الديوان:

    شاعر مجيد يجمع بين العامية والفصحى

    الشعر هو ديوان العرب وسجل حياتهم وجوهر ثقافتهم,وكانوا يرجعون إلى الشعراء, وليس إلى الحاكم, لمعرفة القيم والخصال النبيلة التي يستحبونها في حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية, والشعر هو من الشعور أي الإحساس بالشيء, وهو فن يمدنا به الشعراء ممن يملكون الموهبة ويعبرون فيها عما تجيش به نفوسنا وعواطفنا البشرية. والشعر الجميل هو الشعر سواء جاء بالفصيح أو باللهجة العامية وما عداه فلا يعدو شعراً, وأساس الشعر الإبداع الفني, وميزة الشعراء ومدى تأثيرهم أمر تفرضه قدرة أي منهم في الاستيلاء على المتلقين وميلهم إلى ما يقوله من أشعار تصل إلى أذهانهم وتطرب مسامعهم وتستوطن قلوبهم, وقد تقرأ لشاعرين فيشدك أحدهما بشعره الجميل ويستفزك بقوة معانيه, فيما تجد الآخر, رغم أناقة اللفظ وتطريز الكلام, لا يحرك الخاطر ولا يؤثر بالوجدان. إن التفوق يحوزه حقا من يمتلك الموهبة ويجيد توظيفها ويضيف الجديد الذي لا يقف عند حدود معينة.
    وشاعرنا الذي نقدمه في هذا الديوان, شاعر معروف, فرض نفسه في المشهد الشعري,بموهبته المتقدة وبفنه الشعري الجميل ,كأحد أبرز الشعراء الشعبيين المعاصرين في يافع خلال العقود الثلاثة المنصرمة.


    لمحة عن الشاعر:
    ولد محمد بن عبدالله بن حسين بن محسن بن أحمد بن علي بن شيهون عام 1942م في مسقط رأسه قرية "عَرْهَل" التي تقع على تلة صغيرة, وبجوارها قرية "المصنعة" التي تفصلها عن قرية "القدمة" حاضرة الموسطة, وقد تداخلت القرى الثلاث بحيث تبدو للناظر إليها وكأنها مدينة واحدة متصلة. وعلى ربوة التل المرتفع تشمخ قصور (عَرْهَلْ) بارتفاع أدوارها وتشاريفها الجميلة, بنمطها المعماري اليافعي, وهي نموذج للقرى التي بنى أجدادنا حصونها وقصورها الحجرية العالية بتناسق بديع مع الطبيعة المحيطة وأودعوها شيئاً من ذائقتهم الفنية ومن عشقهم للجمال ونزوعهم للقوة والصلابة التي بدونها يصعب تكييف الطبيعة القاسية حولهم لصالح الحياة والعيش الآمن.
    كان والده مغترباً في اندنوسيا, التي كانت حينها مستعمرة هولندية, وكان قد اقترن بثلاث زوجات, الأولى في (جاوة) وهي من آل النقيب الحضارم, وأنجب منها ثلاث بنات, ثم توفيت وعقد على شقيقتها, وعاد إلى يافع برفقة بناته الثلاثة من زوجته الأولى, فيما ترك زوجته الثانية حاملاُ بنجله البكر حسين(مغترب الآن في السعودية) الذي رأت عيناه النور في (جاوة) في غياب والده. وخلال عودة الأب إلى يافع تزوج من الثالثة (أم الشاعر), وهي ابنة العلامة الشيخ جابر صلاح بن شعيلة, الذي كان من القلائل من أبناء يافع ممن حصلوا على إجازة جامعة الأزهر في مصر وأسهم بقسطه في تنوير وتعليم أبناء المنطقة وفي حل مشاكلهم وظل طوال حياته مستشاراً ومرجعية في علوم الشريعة الإسلامية. وكان والده قد رزق بعد محمد بابنتين وولد هو (علي) الشقيق الأصغر لمحمد (مغترب الآن في السعودية). وبعد مكوث الأب لفترة في يافع عاد ثانية إلى مهجره الأندنوسي, وبقي هناك فترة طويلة امتدت لثمان سنوات لم يعد خلالها إلى مسقط رأسه, واكتفى بأن أرسل نجله الأكبر حسين إلى يافع برفقة أولاد ثابت صالح النقيب, وعند وصول حسين كان شقيقه محمد قد أمضى فترة في كُتَّاب القرية (المِعْلامة), حيث كان أطفال القرية يتعلمون على يد عبدالله ناجي المطري وأخيه عبدالحافظ المطري, وكان التعليم مقتصراً على قراءة القرآن أو حفظ أجزاء منه غيباً دون فهمه أو معرفة شرحه, كما يتعلمون أوليات الكتابة وربما الحساب من خلال الكتابة على ألواح خشبية.
    وفي عام 1951م, كان على الطفل الصغير محمد, الذي طوى للتو التاسعة من عمره أن يغادر قريته ويفارق أصدقاء طفولته وأهله, فقد كان من بين قلائل من المحظوظين الذين أتيحت لهم فرصة الانتظام للدراسة في مدرسة قعطبة, التي كان وراء قيامها الشيخ أحمد أبوبكر النقيب, شيخ الموسطة, بدعم سعى من أجله لدى الإمام أحمد حينها, وقد احتضنت هذه المدرسة العشرات من أبناء يافع خاصة ثم من أبناء المناطق المجاورة الأخرى مثل الضالع والشعيب وحالمين والأزارق وبقية المناطق الشمالية المجاورة. وحين عاد والده من مهجره الأندنوسي عام 1956م, في عهد الرئيس الأندنوسي (سوكارنو) بعد غيبة ثمان سنوات متواصلة, كان محمد قد أتم دراسته في مدرسة قعطبة, التي كان مستوى الدراسة فيها- كما يقول- يفوق ما يتلقاه الطلاب الآن في المدارس الموحدة.
    ويبدو إن الهجرة والاغتراب إلى أصقاع مختلفة من العالم, كانت وما تزال هدف الكثيرين من أبناء يافع,فما أن عاد والده هذه المرة من مهجرة ليستقر نهائياً في يافع يمارس الأعمال الزراعية, حتى فكر الفتى محمد أن يلحق بالأسراب المهاجرة من أبناء قريته, مكث محمد عاما بعد التخرج في مساعدة والده, ثم قرر السفر إلى المملكة العربية السعودية مطلع عام 1958م وهناك التحق بأبناء عمومته عامين كاملين, ثم عاد إلى يافع ولم يطل به البقاء فيها فخلال أقل من عام عاد مرة أخرى إلى السعودية,ومكث في هذه المرة حوالي عامين أيضا, ثم عاد إلى مسقط رأسه.
    بعد تجربة المهجر, قرر في هذه المرة البقاء في عدن,حيث التحق في يونيو 1962م في الشركة العيسائية لتعبئة مشروبات كندا دراي في عدن, وظل عامل توزيع لمدة ثلاث سنوات ثم ترقى إلى ضابط عمل واستمر في عمله هذا حتى عام 1971م, وهو العام الذي شهد إجراءات التأميم بما نتج عنها من مصادرة لأملاك التجار والمستثمرين وهروب الرأسمال الوطني إلى دول الجوار. وكانت تلك السنوات إلي قضاها في عدن أخصب وأفضل سنوات شبابه, وخلالها ارتبط بشريكة حياته (أم فضل) في عام 1965م, وكانت الحياة في عدن حينها ممتعة على بساطتها ولم تكن الهجرة تراوده أو تدخل في تفكيره, وكان يظن أنه سيستقر في عدن التي أحبها وهام بها وجداً وصبابة وسكنت قلبه دون أن تغادره لحظة حتى اليوم, كما يقول, ولم يدر بخلده حينها أن يغادرها إلى أي مهجر جديد, لكنه وجد نفسه مدفوعاً بغير إرادته للرحيل من جديد وراء الحدود بحثاً عن الرزق, فقرر أن يتجه هذه المرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية, ومكث فيها ثلاث سنوات بين عامي 1972-1974م, ولم يرُق له المهجر الأمريكي, على رحابته واتساع حرياته, إذ وجد نفسه هناك كالغريب فقرر العودة النهائية من أمريكا, وكان عليه أن يعود إلى مهجره الأليف الذي خبره وعرفه من قبل ,أي السعودية, واستقر فيها مغترباً منذ عام 1974م وإلى الآن.
    للشاعر من الأولاد, خمسة من الذكور وخمس من الإناث. فله من زوجته الأولى: فضل وعارف وأحمد وثلاث بنات. ومن زوجته الثانية (تزوجها عام 1996م) : عصام وعبدالله وبنتان.
    أسرته:
    ينتمي شاعرنا إلى أسرة كريمة المحتد, لها ذكر عطر في يافع ومحيطها, فالنبل والشهامة والمروءة والكرم في عداد الصفات اللصيقة بهم وكأنما جبلوا عليها كابر عن كابر, وهذا ما يعرفه الناس عنهم, وقد قيل" ألسنة الخلق أقلام الحق". وها هو الشاعر الكبير شائف الخالدي يذكر لهم هذهالصفات في قصيدة جوابية أرسلها لصديقه بن شيهون, بقوله:
    ومَرْوَحَك دَار بن شيهون لا حَيْد عَرْهَلْ
    مَحَطّ كَمَّن جَليل

    حيث الشَّنَعْ والشهامه والكرم عندهم حَلّ
    أهل الوفاء والجميل

    وآل بن شيهون هم مشائخ (عُقَّال) ثُلث الجرادي الذي يكوِّن مع السُعيدي والمُسعدي رُبع مكتب الموسطة, أحد مكاتب يافع بني مالك أو يافع العليا, وشيوخ المكتب هم آل النقيب. ونبغ من أسرة آل بن شيهون العديد من الشخصيات الاجتماعية والشعراء ورجال الأعمال الناجحين. ويأتي في مقدمة هؤلاء جده لأبيه الشيخ حسين محسن بن شيهون فقد كان شاعراً معروفاً ومرجعية في الأعراف والأحكام القبلية, وتروى الكثير من القصص عن حكمته في معالجة قضايا الناس. كما كان والده الشيخ عبدالله حسين بن شيهون من الشخصيات العربية البارزة في المهجر الإندنوسي, وكان يُلقب بـ(شيخ العرب) وهو لقب رسمي منحته إياه الحكومة الهندية التي كانت تستعمر إندنوسيا حينها. وممن اشتهر بالتجارة الشيخ صالح حسين بن شيهون وكانت تجارته في عدن في عصر ازدهارها التجاري والاقتصادي, وتوفي فيها عام 1965م. وهو الذي توجه إليه الشاعر المرحوم موسى أحمد الخضيري الريوي في قصيدته الشهيرة التي تعرض فيها للفتن السائدة حينها في الموسطة وفي يافع عامة, ومما جاء فيها:
    واعبُر مِنْ الصِّيْره اِعْزِمْ يا فتى واشطَح

    لمَا تصل حَيْد (عَرْهَلْ) ساعة المِرْوَاح

    في مطرح الشيخ صالح عنده اتروّح

    دار ابن شيهون بيت القَدْر والذِبَّاح

    وِنْ قال خَابر تحَقَّق بالخَبَر وافصح

    والاَّ قهُوْ شيخ عارف للحُكى نصّاح

    يَهْوَيْن عالموسطه كانه صبر يذبح

    واليوم مثل الجَمَل ذي سافه المَلاّح

    ومن الشخصيات البارزة المرحوم الشيخ عبدالحافظ حسين بن شيهون وكانت له مكانته الاجتماعية وعُرف بسداد الرأي والحكمة وكان محل ثقة ويُستشار في كثير من القضايا التي تكون مثار خلاف شديد, وكان يُلقب بـ (حاكم رضا) أي أن الخصوم أو المتنازعين في أي قضية من مناطق يافع ممن كانوا يلجأون إليه يرتضونه حَكَماً فيما بينهم ويرضون بما تصدر عنه من أحكام, وكلمته مسموعة لثقتهم به وبمصداقيته وإيثاره الحق وإصلاح ذات البين بين الناس. وكان نجله المرحوم الشيخ محمد عبدالحافظ بن شيهون, من أبرز رجال الأعمال المعروفين في اليمن والمملكة العربية السعودية, حقق نجاحات كبيرة في التجارة وأسهم في نشأة بيوت تجارية عديدة، وله الكثير من الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين, وتوفي في 24/12/2007م عن عمر ناهز 70 عاماً. ومنهم الشيخ عبدالرحمن عبدالحافظ وقد توفي قبل شقيقه الأكبر محمد ببضع سنوات. ومنهم الشيخ عبدالخالق عبدالحافظ بن شيهون, عضو مجلس النواب حاليا عن الدائرة(78) المفلحي – يافع.
    نظرة في شعره:
    نشأ شاعرنا في بيئة اجتماعية, تجل الشعر وتتفاخر بالشعراء, وهو حفيد شاعر, فقد كان جده لأبيه شاعراً مرموقاً, كما أسلفنا , ومع ما له من أرث أسري مجيد,إلاَّ أنه لم يتسلق على سلم هذا الإرث ليقول لنا ها أنا ذا ابن فلان الفلاني, لأن الشعر ومجالات الإبداع الأخرى ليس ورثاً يتنازل عنه أو يوصي به السلف للخلف, وإنما يصدر عن موهبة, ولا ننكر تأثير مثل هذا الإرث في توجيه وصقل ملكة الإبداع الشعري وتنميتها لدى أي شاعر أو مبدع. وشاعرنا محمد عبدالله بن شيهون نشأ على ما تشربه من قيم آبائه وأجداده, وأضاف تعليمه الأساسي في مدرسة قعطبة وثقافته الذاتية المكتسبة بالاطلاع والتثقيف المستمرين وتجاربه الخاصة, كل ذلك أضاف الكثير إلى شعره الذي يحمل بصماته المميزة التي لا تخفى على من لديه ذائقة شعرية.
    حين تعرفت على أولى أشعاره ومساجلاته التي تبادلها مع الشاعر المرحوم شائف الخالدي مطلع الثمانينات من القرن الماضي, وجدت نفسي منجذباً إليها بقوة, وكأنني في حضرة شاعر مجرب, خبر الشعر ونظمه باقتدار وله باع طويل فيه منذ وقت مبكر من حياته, حتى بلغ هذا الشأن وهذه المكانة الرفيعة بين أنداده ومعاصريه من فرسان الشعر الشعبي.. وأنه ربما أخفى قصائد البدايات وما تلالها وفضل عدم نشرها لغرض ما في نفسه, أو أنه يحتفظ فيها لينشرها في الوقت الذي يراه مناسبا.. هكذا كنت أعتقد وأذهب مذاهب شتى.. ولكنني كنت مخطئاً.. فالقصائد الرائعة التي فتنتي وفتنت كثيرين غيري ممن استمعنا إليها بصوت الفنان القدير حسين عبدالناصر, هي بذاتها البدايات الإبداعية لهذا الشاعر ولا شيء سواها,لسبب بسيط وهو أنه بدأ قول الشعر في سن متأخر, وبالتحديد حينما طوى الأربعين من عمره, وكأنما أنضج أشعاره على نار هادئة فجاء قطافها يانعاً بعيداً عن شطحات الشباب ونرجسيتهم. وحين سألته عن الباعث لقول الشعر في هذه السن, وهل هناك إرهاصات أو محاولات سابقة, قال:" كنت أتذوق الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي, فبقدر ما أعجبت بإيليا أبو ماضي وغيره من شعراء العربية منذ كنت طالباً في مدرسة قعطبة, أعجبت أيضاً بالشعر الشعبي, خاصة أشعار الخالدي وبالذات مساجلاته الشعرية مع الصنبحي وغيره, ولم يدر في خلدي أن أنظم القصائد أو حتى مجرد التفكير بذلك, طوال الأربعين عاماً الأولى من حياتي, ولذا لم تكن لي محاولات سابقة, وكل ما في الأمر إنني وجدت نفسي ذات يوم, وكنت حينها في مهجري بالسعودية, وفي موقف عائلي حزين, مضافاً إليه كآبة الغربة, وكأن أحد يجذبني من أذني ويدفعني دفعاً لقول الشعر ومن حينها بدأت نظم القوافي, وإلى اللحظة لا أنظم قصائدي إلاَّ عن معاناة أحسها أو أعيشها, فالشعر عندي هو معاناة " .. هكذا ولدت أولى قصائده, ثمرة معاناة.. نعم.. لكنها قبل كل شيء نتاج موهبة ظلت حبيسة لعقود أربعة,حتى استوت وتفجرت بعد تمام مخاضها واكتمال نضجها, مثلها مثل الينابيع الكامنة في أعماق الأرض, لا ترى لها أثراً وقد تتفجر فجأة فتروي ما حولها وتكسيه الاخضرار والحياة اليانعة.. وهكذا شاعرنا.. لم يقرض الشعر إلاَّ حين زاره "شيطان الشعر" في تلك اللحظة, ليفجر مكامن الموهبة الحبيسة ويطلقها من إسارها, وشيطان الشعر, هو (الحليلة) باللهجة الشعبية, أو الهاجس أو الإلهام الشعري, أو بمعنى أدق ما نسميه (موهبة) وهي نعمة وهبة ربانية يهبها الله لمن يشاء من عباده وقت يشاء.
    ومثلما كانت بدايته في لحظة انفعال شديد باعثه الحزن الذي دهمه في موقف معين وكابده بكل جوارحه, فأن قصائده لا تسلم له قيادها إلا في لحظة معاناة يجد فيها نفسه أسير هاجسه الشعري, ونستطيع القول أن شعره في مجمله نتاج معاناة ومكابدة, ومن هنا سر تأثيره القوي, وصدق عواطفه, وعمق رؤاه ومعانية التي تجلو ما غفل من أسرار الحياة وتستشرف بنبوءة الشاعر ما تخبئه الأيام.
    إنه وبحق شاعر متميز, تجد في شعره شيئاً من شخصيته, من تفكيره, من مخزونه الثقافي, من القيم التي تشربها صغيراً ويعض عليها بالنواجذ في سلوكه وعلاقاته وفي شعره أيضا, وجل شعره لا يخلو من القيم التي يجلها ويتمثلها قولا وعملاً في حياته وفي علاقاته مع محيطه, وقد استطاع أن يخترق دواخل الناس ويغوص في أعماقهم, فبمجرد قراءة شعره تحس أنك في حضرة شيخ حكيم يملك أسرار الحكمة, أو شاعر يمتلك حكمة الشعر, ففي شعره فلسفة للحياة وقيمها الإنسانية التي حمل مشعلها كبار الفلاسفة والشعراء, ومن يعرف نشأته والإرث الثقافي الذي يتكئ عليه لا يستغرب هذا الاتزان وهذه الرصانة والحكمة وعمق المعنى في شعره.
    إن الشاعر المجيد كالسحابة الممطرة تخصب كلماته في وجدان المتلقين, وشاعرنا يستنطق الكلمات فتنقاد لملكته الشعرية طوعا, فتغدو روائع منظومة, تحمل فرادة الشاعر المقتدر, تقرأ شعره فتجد فيه المتعة والفائدة, وتتوافر فيه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى, فهو يحسن اختيار الألفاظ, وقد كان النقاد القدامى يقولون "الألفاظ أثواب المعاني" ولهم في هذا كل الحق, فالمعاني مثلها مثل الأشخاص تحتاج إلى أن تلبس من الألفاظ ما يناسب المقام وينسجم مع الموضوع, وشاعرنا برع في انتقاء ألفاظه, بحسب موقعها وصلتها بموضوعاته, فنجدها قوية وعنيفة في مواطن القوة والعنف, ورقيقة في موضع الرقة, وفي شعره عذوبة تكاد تُرشف وسلاسة تمتع النفس وتبهج القلب, وهو كشاعر مرهف الإحساس يتلبس المواقف, ويعبر عن عواطفه وبصور بديعة نعجب لجمالها الفني, حتى وإن كانت صوراً لمآسي ونكبات, كما في تناوله للأحداث الدموية في منعطفات مختلفة, داخل الوطن أو في محيطه العربي, وهو عنيف في المواقف التي لا تعرف غير لغة العنف والقوة, حسب رؤيته, كما نجده يحرث في الحزن حين يكابد آلام الغربة ويجتر الأشواق والحنين لمهد الصبا, حتى يكاد يبكينا. وهذا التلبس تحكمه العاطفة الشعرية المنطلقة من إسار العقل في لحظات الحب والكراهية والخوف والرضا والشوق والحنين غيرها من المفاهيم المتناقضة.
    إن ما يميز قصائده هو موسيقاه الشعرية التي تشنف الأذن وتحرك الوجدان وتحدث فينا لذة عقلية وتأثير وجداني, ولا تقتصر الموسيقى على التزامه في معظم أشعاره بقافيتين للصدر والعجز وإنما في إيقاعات الألفاظ وإيحاءاتها وأنغامها التي تحدث فينا الإطراب. كما خرج عن الاستهلال التقليدي في قصائده الفصيحة والعامية, ونستثني من ذلك مساجلاته الشعرية التي وجد نفسه فيها مقيداً بالنمط التقليدي مجاراة لنظرائه من الشعراء الذين تبادل معهم المساجلات. وتحتل الصورة الشعرية مكاناً بارزاً في شعره, وكأن قصائده صورة صادقة أو رسم صامت, وتتعدد الصور الفنية في شعره فقد تأتي على شكل استعارة أو تشبيه أو دلالات ورموز لا تخفى. فالشعر لديه ليس مجرد كلمات مرصوصة أو أوزان منظومة تثير الجلبة أو الحماسة الآنية بلا طائل, بل إن الشعر لديه يزخر بالعواطف والصور الفنية والذوق الشعري السليم.
    يميل الشاعر في قصائده إلى الفصيح, وهو ما يعكس ثقافته الدينية والأدبية, وهذا ما نجد شواهد له في عدد من قصائد الفصيح العصماء التي أجاد في سبكها, وتفوق فيها على قصائده العامية,رغم بعض الهنات النحوية التي تُغفر له, ونعذره فيها لأنه لم يدرس اللغة والصرف والنحو, ولو أنه درس ذلك لتخلص ببساطة من مثل هذه الهنات ولكان له شأن كبير بين شعراء الفصيح. وحتى لا يتهمني البعض بالمغالاة, أحيل القارئ إلى قصيدته الرائعة "الغريب اليمانيا", ولنمعن في هذه الأبيات المختارة منها:
    نسيم الصبا لو هب يوماً ذكرتها
    وسالت لذكراها دموع المآقيا

    يهيم لها روحي إذا عسعس الدُّجى
    وتهفو لها حين البكُور فؤاديا

    نذرتُ لها حبِّي بمحراب عزها
    وآليت أن أحيا لها العمر وافيا

    وفي هجرها أفنيتُ عشرين حجة
    من العُمر لم يُحْسَبْنَ ضِمْنَ زمانيا

    فصَيَّرتني كَهْلاً أسير بهامتي
    إلى الشيب مما رمت خالٍ وفاضيا

    ولستُ أهاب من مشيبي وإنَّمَا

    أخافُ لقاه نائياً عن دياريا

    فيا شيب مهلاً لا تزُرني بغربتي
    ويا دهر رفقاً بالغريب اليمانيا

    والقصيدة من بحر الطويل الذي يتناغم إيقاعه مع المشاعر الجياشة والصادقة, وهذا ما نجده وبنفس البحر وبقافية مشتركة ردفا ورويا وخروجا في كثير من عيون الشعر العربي قديمه وحديثه. ففى مرثية عبد يغوث لنفسه, لمَّا أسرته بنو تيم في يوم "الكُلاب" عندما وقعت الحرب بين بني تيم وقوم عبد يغوث في أيام الجاهلية, وكان فارسًا وشاعرًا يمانياً, فشدُّوا على لسانه نسعة خوفًا من أن يهجوهم قبل موته, فقال لهم: إنكم قاتلي ولا بُدّ, فدعوني أذمُّ أصحابي وأنوح على نفسي, فقالوا: إنك شاعر ونخاف أن تهجونا, فعقد لهم أن لا يفعل. فأطلقوا لسانه وأمهلوه حتى قال قصيدته المشهورة الرائعة,التي يقول فيها:
    ألا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا
    وَما لَكُما في اللَومِ خَيرٌ وَلا لِيا

    أَلَم تَعلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفعُها
    قَليل وَما لَومي أَخي مِن شمالِيا

    فَيا راكِباً إِمّا عَرَضتَ فَبَلَّغَن
    نَدامايَ مِن نَجرانَ أَن لا تَلاقِيا

    أَبا كَرِبٍ و َالأَيهَمَينِ كِلَيهِما
    وَقَيساً بِأَعلى حَضرَ مَوتَ اليَمانِيا

    وفيها يقول :
    وَتَضحَكُ مِنّي شَيخَةٌ عَبشَمِيَّةٌ
    كَأَن لَم تَرَ قَبلي أَسيراً يَمانِيا

    وَقَد عَلِمَت عَرسي مُلَيكَةُ أَنَّني
    أنا اللَيثُ مَعدُوّاً عَلَيَّ وَعادِيا

    ونجدها فى غزلية قيس بن الملوح (مجنون ليلى) في رائعته التي يقول مطلعها:
    يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ
    فيا ليتني كنت الطبيب المداويا !
    ونجدها في قصيدة مالك بن الريب التميمي التي يقول في مطلعها:
    أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً
    بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا

    ونجدها فى "ليلة الوداع" للأديب الشاعر عباس محمود العقاد:
    أبُعدا نرجَّى أم نرجى تلاقيا
    كلا البعد و القربى يهيج ما بيا
    تعمدت إيراد هذه المقارنات, للتدليل على أن شاعرنا بن شيهون ينهل باقتدار من فيض اللغة والتراث بأساليب فنية تجعل من يقرأ قصيدته يظن أنه أمام أحد أساطين الشعر العربي.
    وأشعار بن شيهون بشكل عام, بما في ذلك في بقية أشعاره ومساجلاته العامية, أقرب إلى الفصحى, أو هي لغة وسطى بين الفصيح والعامي, الأمر الذي يتيح قراءة أشعاره وإيصال معانيها دون حاجة كبيرة لعناء فك رموز المفردات العامية التي لم يلجأ إليها إلاَّ لماما. بل أننا نجد أنه قد استخدم في قصائده الفصيحة ألفاظاً معجمية منتقاة, جاءته طواعية ودون تكلف, من ينبوع ثقافته الأدبية والدينية وإحاطته بالألفاظ القرآنية التي أجاد توظيفها في كثير من أشعاره, على سبيل المثال (سربالِ, سَوْأَةُ الحال, فِئتُ, تسْتَمْرِئ الألم, ادْلهمّ الخطب, أأشكو لمن بثِّي؟, وناءٍ عن الأوطان, طارحني الجوى, وآهات الأيامى, عسعس الدُّجى, عَصْفُ الرياح الذواريا, إمِّعَاتٌ جمع إمِّعة, أرضٌ جرزٍ, تقلع الأطناب, تباريح الهوى ..الخ).
    يزدحم شعره بغبار السنين وينبض بالحياة وتحتشد فيه الكثير من الأقوال والأمثال والرموز والأسماء التاريخية وأسماء الأمكنة التي أجاد الشاعر توظيفها في بنيان قصائده فزاد من جماليتها وجاذبيتها في نفوس المتلقين.
    وشاعرنا بن شيهون لا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة بعينها, ولذلك لا يقف في ابداعه بين قوسي (مع أو ضد) فلا تهمه مثل هذه التصنيفات, بقدر اهتمامه بقول ما يراه دون قيود, حتى وأن اختلف الآخرون معه في رؤاه ومواقفه, وهو شاعر يتجاوز الخاص إلى العام والجزئي إلى الكلي, ولم يتحدث عن الذات, لأن هموم الآخرين, وما أكثرها, هي همومه ومعاناتهم هي معاناته, إنه ابن بيئته ومجتمعه, عرك الحياة وذاق حلوها ومرها وشهد تقلباتها المتسارعة خلال عقود قليلة, وكان بشعره أكثر التصاقاً بالواقع وبمشاكل المجتمع, وله رؤيته ومواقفه الواضحة التي تلامس قضايانا وهمومنا الوطنية وكذا التعبير عن هموم الأمة العربية عامة كشاهد عيان, يؤرخ بالشعر لتلك الأحداث الجسام والعواصف الهوجاء التي هزَّت الأرض والإنسان في الوطن ومحيطه العربي. وعلاقة الشاعر بالتأريخ للأحداث واضحة, وقد سبقه جده لأبيه الشاعر الشيخ حسين محسن بن شيهون حينما أرخ في إحدى قصائده لأحداث محلية جرت في مطلع القرن العشرين, فكانت قصيدته تلك عوناً بل ومصدراً لمعرفة الكثير من وقائعها وتفاصيلها في انعدام التدوين التاريخي حينها. وشاعرنا يؤرخ بدون قصد, لأنه ليس مؤرخاً, لكنه يتعرض للأحداث التي تهزه بحيث يجد نفسه مدفوعاً للنفاذ إلى جوهرها والوقوف على ماهيتها في مقاربات شعرية تحفل بالكثير من الصور والمعاني والتقنيات الفنية التي تزدان بها جل قصائده وتثير في المتلقي التأمل والتفكير, وكلما أوغل فيها كلما شعر بظمأ روحي للارتواء منها. وفي كثير من قصائده يستحضر شاعرنا الأحداث الفائتة فتستدعي لديه الحزن والتحسر على جميل مضى فخلف الأسى والآلام وخيبة الآمال ومغالبة الأشجان. يعيش أجواء الشعر وكأنه في صميم تلك الأحداث.. يعاني .. يتألم..يستثيره الهاجس فتولد من تلك المعاناة أبياته الشعرية التي تقف أمام ثنائيات الحياة بتناقضاتها.. الخير والشر.. القبح والجمال.. الترح والفرح, ويتأثر بالغ التأثير لكل الخطوب التي مر بها الوطن, ويعتصر قلبه ألماً لما حل به من نكبات, لم يقف أمامها موقف المتفرج أو الصامت, بل انبرى بشعره يكاشف ويصارح..يقول رأيه, دون مواربة أو نفاق.. يفرح لفرح شعبه ويحزن لحزنه..يوقد مشاعل شعره, ليحرق بها كل التشوهات المزرية. فشعره هو سلاحه المشرع في وجه الظلام والشر والفساد والطغيان والنفاق وكل ما يعيق قيم العدل والحرية والسلام والتقدم. ويحق لنا القول أن أشعاره في مجملها معيار لتفكير وتطلع الشعب وتعبير صادق عن آماله وآلامه وتطلعاته وكل ما يحيط به في إطار فني بعيداً عن الخطابية والمباشرة التي يقع فيها كثير من الشعراء الشعبيين.
    وتتجلى وطنيته في حبه لوطنه.. مسقط رأسه ومهد صباه.. مبعث فخره واعتزازه.. غادره كرهاً مكابداً آلام الغربة والاغتراب.. وخاض تجارب الرحيل إلى الأمكنة بحثاً عن الذات.. بما فيها الرحيل عبر أشعاره إلى البعيد.. والغور في أعماق النفس البشرية.. وبقي الوطن ساكنا في شغاف قلبه, في حله وترحاله, يثير شجونه ويهيج عواطفه, لنمعن في قوله:
    هَجْر الوطن زَادَني شوقاً لرؤيته
    به عَزَزْتُ وما هِنْتُ بهِ يوما

    لكم تبتّلت بالمحراب يا وطني
    ولأجل عزك أنذرتُ لك الصوما

    في غربتي أتمنى لو لي أجنحة
    لطرت أو عمت في اليَّمِ لكَ عَوْمَا

    أو قوله في قصيدة أخرى:
    وأرضي وأن جارت عزيزه وأن بَخَلْ
    عليّا بها رزقي فكُرْهِي لها بَخِيْل

    وهي عز راسي ما أرتضي غيرها بدل
    ولو خيّروني ألف من مثلها بديل

    وإلى جانب الأغراض الرئيسية في شعره التي تجلت فيها بصورة واضحة القضايا الاجتماعية والسياسية, ومعاناة الغربة التي اقتطعت معظم سني عمره, نجد لديه قصائد في الرثاء قالها في وداع شخصيات عزيزة عليه وقريبه إلى قلبه, وينطبق هذا القول على قصائد المديح, التي قالها ليس بغرض التكسب أو التقرب لذوي الجاه والسلطان, وإنما مدح فيها صفات وقيم يجلَّها تجسدت في الشخصيات الممدوحة, بعيداً عن الطمع بعطية أو منحة لقاء المدح, كما في مدحه لابن عمه الشيخ محمد عبدالحافظ بن شيهون, الذي مدحه حياً ورثاه ميتاً, ليس فقط لقرابة الصلة, وإنما لأنه كان رجل أعمال ينفق بسخاء على أعمال الخير, وظل طيلة حياته ملاذاً لأهله وللمحتاجين من أبناء وطنه، وكان يكفل الكثير منهم ويساعدهم في تحويل عائداتهم إلى عدن منذ ما قبل الاستقلال بواسطة (المحضار) ولهذا استحق الثناء والتقدير والمدح من قبل الناس وهو حي يرزق بين ظهرانيهم, يصفه الشاعر في حياته, في قصيدة وجهها لصديقه شائف الخالدي, بما يليق بشخص مثله, فقال فيه:
    معروف خِيْرِةْ خَلَفْ لَسْلاف مِنْهُمْ تِنَسَّل
    شيخ الكرم والندى والجُود لا قال يفعل
    خيره على الأهل والجيران دائم بيبذل
    وَرِثْ مِنْ الشيخ عبدالحافظ الحِلْم مُكْمَلْ
    رَعِيْل يخْلِفْ رَعِيْل
    ما هو كما الهنذويل
    مثله سحاب المَخِيْل
    والحِلْم طَبْع النَّبيل

    وكما حظي الشيخ محمد عبدالحافظ بمدح الشاعر في حياته في أكثر من قصيدة, فقد رثاه عند وفاته, متألماً لرحيله, كما حزن كذلك لوفاة الشيخ الفاضل المرحوم عمر قاسم العيسائي, وقبلهما صديقه الشاعر المرحوم شائف الخالدي, وفي رثائه كما في مدحه براعة الالتفات إلى صفات من مدحهم أو رثاهم.
    والشاعر بشكل عام مقل ومجيد في نظم الشعر, وعلى قلة ما قاله في الغزل, ربما لنظمه الشعر في سن متأخر بعد أن تجاوز سن الشباب, فقد أجاد وأبدع في الشكوى من الوجد وتباريح الهوى,وفي تصوير معشوقته التي لم يجد الجمال بمثلها:
    هيفاءُ ما جاد الجمالُ بمثلها
    كبُرت عن الأوصافِ والألقابِ

    جادت يَدُ الخَلاَّقٍ فيها تناسُقاً
    خَاطْ الصِّبَاء لجسمها الأثوابِ

    إن هذه الأشعار هي حصيلة ثلاثة عقود مضت من حياة الشاعر الإبداعية. وقد خصصنا لها القسم الأول لقصائده الفصيحة والعامية, ولم نرتبها حسب الأقدمية, لأن بعض قصائده بدون تاريخ, ولذا بدأنا بالقصائد الفصيجة ثم العامية. أما مساجلاته مع الشعراء الشعبيين فقد خصصنا لها القسم الثاني وهي تحتل الحيز الأكبر من إنتاجه الشعري. كانت مساجلاته الأولى مع الشاعر الكبير المرحوم شائف محمد الخالدي, الذي مثل طوال حياته وعلى امتداد نصف قرن من إبداعه الشعري مركز جذب لعشرات الشعراء الشعبيين الذين تناظروا معه عبر قصائد البدع والجواب. وكان شاعرنا بن شيهون قد ارتبط قبل ذلك بعلاقة شخصية مع الخالدي منذ شبابهما, سواء في عدن أو يافع, وظل من المعجبين بشعره, وحين داهمه الهاجس بادر بإرسال قصيدة للخالدي, وتوالت بعد ذلك بينهما عدة مساجلات بلغ عددها ثمان مساجلات تتكون من بِدْع وجواب, ويلا حظ أن بن شيهون كان هو المبادر في سبع منها, وواحدة وهي الأخيرة بينهما كان الخالدي قد أرسلها لصديقه بن شيهون, وجاءت مساجلاتهما في إطار الجو الشعري السائد وزخم المساجلات بين الخالدي وعدد من أبرز فرسان الشعر الشعبي من مناطق مختلفة, وسرعان ما احتل بن شيهون مكانته بينهم بقوة شعره, فقد تساجل مع 15 شاعراً, من غير الخالدي, ومن مختلف مناطق اليمن, ودارت بينه وبينهم (24 قصيدة بِدْع وجواب), كان هو مبادر في خمسى مساجلات (أي شاعر بِدْع), فيما كان في 19 مساجلة شعرية (شاعر جواب), وهذا يدل على أنه هو الآخر قد أصبح مركز جذب يتجه إليه الشعراء بمساجلاتهم الشعرية, وبرز هذا بجلاء بعد رحيل الخالدي. ومن بين هؤلاء الشعراء الذين تساجلوا معه مجموعة من الشعراء المشهورين نذكر منهم: أحمد حسين بن عسكر, أحمد عبدربه المعمري,محمد سالم الكهالي, فريد أحمد الجوهري, محمد علي غالب السليماني, عبدالله صالح العلفي, صالح محمد بن كاروت, علي عبدربه الدالي الجرادي, وآخرين من الشباب الذين بدأت اسماء بعظهم تظهر بقورة في ساحة الشعر الشعبي, تجد أسماءهم في الديوان.
    بقي الإشارة إلى أن فكرة صدور هذا الديوان, لم تأتِ من الشاعر نفسه, وإنما بتحفيز من صديقيه: الشيخ قاسم ثابت العيسائي, وهو من عشاق الشعر الشعبي والمهتمين به, والشاعر الشاب المتألق محمد عبدالحافظ بن أسعد العيسائي, وكنت ثالثهما في لملمت وتجميع قصائد ومساجلات الشاعر الذي لم يكن يهتم بتجميعها, فجاء هذا العمل الذي آثر الشاعر أن يكون باسم "المرفأ المهجور" وهو عنوان قصيدة رائعة- تتصدر الديوان- قالها بعد أحداث يناير الدامية عام 1986م, التي كان مسرحها الرئيسي مدينته الحبيبة عدن, وهي المقصودة بـ "المرفأ المهجور", الذي كان ذات يوم في مقدمة المؤانئ العالمية المزدهرة.
    ختاماً, هذه قراءة أولية, لبواكير شاعرنا بن شيهون, لم اتوسع فيها أو أكثرمن الاستشهادات الشعرية حتى لا أفسد المتعة والتذوق على القارئ, ولذا أدعه يرسو في "المرفأ المهجور" وسيجد فيه لآليء ودرر من عيون الشعر.

    د.علي صالح الخلاقي
    استاذ التاريخ المشارك-جامعة عدن
    نائب عميد كلية التربية - يافع
    أعجب بهذه المشاركة بجاش
    • :: إدارة المجلس ::

    بجاش

    • المستوى: 8
    تاريخ الإنضمام:
    ديسمبر 28, 2007
    عدد المشاركات:
    7,326
    عدد المعجبين:
    964
    مكان الإقامة:
    قطر
    رد: ديوان( المرفأ المهجور) للشاعر محمد عبدالله بن شيهون

    اشرقت الانوار بمقدم اخ وصديق عزيز طالما تمنيننا تواجده معنا بأجمل ترحيب واعطر مشاعر نرحب بالدكتور علي صالح الخلاقي في مجلس الخلاقي ملتقى ابناء خلاقة في كل مكان وجدوا فيه
    متطلعين الى مشاركاتك القيمة التي نفتخر بها جميعا كما نتمنى لك التوفيق والعون في جهودك الاكاديمية العملاقة التي توجتها بمؤلفات عن تاريخ يافع الادبي والشعري والتاريخي والذي سيخلد اسمك علما تتداوله الاجيال المتعاقبة
    كما نشكرك لتعريفنا بالإصدار الجديد من مؤلفاتك وتقديم الشاعر محمد عبدالله بن شيهون بالاضافة الى ابيات من قصائدة الجميلة
    تقبل فائق التحايا العطرة
    • :: إدارة المجلس ::

    الخلاقي
    خالد احمد علي جنبل

    • المستوى: 7
    تاريخ الإنضمام:
    نوفمبر 6, 2007
    عدد المشاركات:
    4,313
    عدد المعجبين:
    298
    الوظيفة:
    طالب
    مكان الإقامة:
    عدن - NYC
    الاسم الكامل:
    خالد احمد علي جنبل
    رد: ديوان( المرفأ المهجور) للشاعر محمد عبدالله بن شيهون

    نرحب بالاستاذ القدير د علي صالح
    عانقت جدران مجلسنا ... عطر قدومك ... وتزيّنت مساحاته بأعذب عبارات الود والترحيب
    اهلاً وسهلاً بك نشكرك على كل ماتعملة لاجل القرية ونقدر اعمالك بشتى انواعها
    شكراً لك .. واهلاً وسهلأً بك في مجلس الخلاقي منبع الاخلاق والمحبة

    • :: الأعضاء ::
    • :: العضويه الذهبيه ::

    د.علي صالح الخلاقي

    • المستوى: 1
    تاريخ الإنضمام:
    يونيو 1, 2010
    عدد المشاركات:
    12
    عدد المعجبين:
    5
    الوظيفة:
    غير متوفر
    مكان الإقامة:
    اليمن
    الغريب اليمانيا

    شكراً للكلمات الطيبة وأنا أعد نفسي عضواً في مجلسكم الموقر وأن كانت انشغالاتي تثنيني عن المشاركة الدائمة إلاَّ أن قلبي معكم.. أشد على أيديكم .. ولنا تواصل دائم مع كل جديد.. ومن ديوان الشاعر محمد عبدالله بن شيهون أقدم هذه القصيدة الر ائعة بعنوان:
    الغريب اليمانيا
    قالها بعد أن أفنى عشرين عاما من عمره في مهجره بعيداً عن وطنه, وهي غير محسوبة من (زمانه) كما يقول. نشرت في جريدة "السياسة" الكويتية في عددها الصادر يوم 18 يونيو1989م
    تذكرني الأيام ما كنتُ ناسيا
    وما ليس يُنسى تنتسيه اللياليا

    وما صار مكشوفاً توارى لناظري
    وأضحت ترى عيناي ما كان خافيا

    وإنْ مَرّ حظِّي مرة وأطاعني
    مراراً يمُرُّ من أمامي مجافيا

    وكم ليلة من سعدها نمت هانئاً
    ومِنْ نحس أخرى بتُّ سهران باكيا

    وكم نلت ما لا تشتهي النفس والذي
    له تشتهي نفسي وتهواه قاصيا

    غريبٌ وأحلامي بدربي تبعثرت
    وتاهت بأعماق السنين الأمانيا

    بعيدٌ وأن ناديتُ لا رجع للصدى
    ومن يُسمع الأموات صوت المناديا

    ومن يُسمع الأحياء آهاتي التي
    لو أسمعتها جلمودَ صخرٍ صغى لِيَا

    أأشكو لمن بثِّي؟ سوى الله فالذي
    شَكُوتُ له مثلي وجدته شاكيا( )

    وناءٍ عن الأوطان طارحني الجوى
    وجدت الذي في فيه كمثل الذي بيا( )

    فقلت شريكي في همومي وغربتي
    كلانا عن الأوطان يا صاح نائيا

    كلانا على درب البُعاد مسافرٌ
    وَلَجْنَا بحورَ الاغترابِ سواسيا

    رحلنا بلا زادٍ ومن دون مُرْشِدٍ
    يحاذي بنا عصف الرياح الذواريا

    رحلنا ولم نأخذ سوى ذكرياتنا
    وما دونها مما تركناه ماضيا

    على سُفن الهجران تمضي حياتنا
    رويداً وأنواء الحياة عواتيا

    مراسي لا تأبه لمن أبحرت به
    سفينتهُ أو بالذي ظلَّ راسيا

    سقى الله أرضاً كان للحب موضعاً
    على شاطئيها بالسنين الخواليا

    بها كنت مثل الطير أشدو مغرداً
    على فنن الأغصان حول السواقيا

    وأغدو إلى حيث الذي اشتهي بلا
    رقيبٍ ولا آمر عليَّ وناهيا

    نسيم الصبا لو هب يوماً ذكرتها
    وسالت لذكراها دموع المآقيا

    يهيم لها روحي إذا عسعس الدُّجى
    وتهفو لها حين البكُور فؤاديا

    نذرتُ لها حبِّي بمحراب عزها
    وآليت أن أحيا لها العمر وافيا

    عزفتُ لها لحني بأوتار مهجتي
    واسمعتها من وحي شعري أغانيا

    وأهديتها نظمي ونثري محرراً
    ولو تفتدى أفدي ثراها بعينيا

    وفي هجرها أفنيتُ عشرين حجة
    من العُمر لم يُحْسَبْنَ ضِمْنَ زمانيا

    فصَيَّرتني كَهْلاً أسير بهامتي
    إلى الشيب مما رِمْتُ خالٍ وفاضيا

    ولستُ أهاب من مشيبي وإنَّمَا

    أخافُ لقاه نائياً عن دياريا

    فيا شيب مهلاً لا تزُرني بغربتي
    ويا دهر رفقاً بالغريب اليمانيا
    • :: إدارة المجلس ::

    بجاش

    • المستوى: 8
    تاريخ الإنضمام:
    ديسمبر 28, 2007
    عدد المشاركات:
    7,326
    عدد المعجبين:
    964
    مكان الإقامة:
    قطر
    رد: الغريب اليمانيا

    تذكرني الأيام ما كنتُ ناسيا
    وما ليس يُنسى تنتسيه اللياليا

    وما صار مكشوفاً توارى لناظري
    وأضحت ترى عيناي ما كان خافيا

    وإنْ مَرّ حظِّي مرة وأطاعني
    مراراً يمُرُّ من أمامي مجافيا

    وكم ليلة من سعدها نمت هانئاً
    ومِنْ نحس أخرى بتُّ سهران باكيا

    وكم نلت ما لا تشتهي النفس والذي
    له تشتهي نفسي وتهواه قاصيا

    غريبٌ وأحلامي بدربي تبعثرت
    وتاهت بأعماق السنين الأمانيا

    بعيدٌ وأن ناديتُ لا رجع للصدى
    ومن يُسمع الأموات صوت المناديا

    ومن يُسمع الأحياء آهاتي التي
    لو أسمعتها جلمودَ صخرٍ صغى لِيَا

    أأشكو لمن بثِّي؟ سوى الله فالذي
    شَكُوتُ له مثلي وجدته شاكيا( )

    وناءٍ عن الأوطان طارحني الجوى
    وجدت الذي في فيه كمثل الذي بيا( )

    فقلت شريكي في همومي وغربتي
    كلانا عن الأوطان يا صاح نائيا

    كلانا على درب البُعاد مسافرٌ
    وَلَجْنَا بحورَ الاغترابِ سواسيا

    رحلنا بلا زادٍ ومن دون مُرْشِدٍ
    يحاذي بنا عصف الرياح الذواريا

    رحلنا ولم نأخذ سوى ذكرياتنا
    وما دونها مما تركناه ماضيا

    على سُفن الهجران تمضي حياتنا
    رويداً وأنواء الحياة عواتيا

    مراسي لا تأبه لمن أبحرت به
    سفينتهُ أو بالذي ظلَّ راسيا

    سقى الله أرضاً كان للحب موضعاً
    على شاطئيها بالسنين الخواليا

    بها كنت مثل الطير أشدو مغرداً
    على فنن الأغصان حول السواقيا

    وأغدو إلى حيث الذي اشتهي بلا
    رقيبٍ ولا آمر عليَّ وناهيا

    نسيم الصبا لو هب يوماً ذكرتها
    وسالت لذكراها دموع المآقيا

    يهيم لها روحي إذا عسعس الدُّجى
    وتهفو لها حين البكُور فؤاديا

    نذرتُ لها حبِّي بمحراب عزها
    وآليت أن أحيا لها العمر وافيا

    عزفتُ لها لحني بأوتار مهجتي
    واسمعتها من وحي شعري أغانيا

    وأهديتها نظمي ونثري محرراً
    ولو تفتدى أفدي ثراها بعينيا

    وفي هجرها أفنيتُ عشرين حجة
    من العُمر لم يُحْسَبْنَ ضِمْنَ زمانيا

    فصَيَّرتني كَهْلاً أسير بهامتي
    إلى الشيب مما رِمْتُ خالٍ وفاضيا

    ولستُ أهاب من مشيبي وإنَّمَا

    أخافُ لقاه نائياً عن دياريا

    فيا شيب مهلاً لا تزُرني بغربتي
    ويا دهر رفقاً بالغريب اليمانيا

    قصيدة رائعة وشاعر كبير نشكر الدكتور علي على هذه الهدية الجميلة

انشر هذه الصفحة