جاري تحميل محرك البحث

اهلاً وسهلاً بك في مجلس الخلاقي!
لكي تتمكن من المشاركه يجب بان تكون عضو معنا تسجيل الدخول بإستخدام الفيسبوك

تـسـجـيـل الـدخـول

|| للتسجيل معنا

الخطبة الثانية ان الله لا يحب الفرحين

موضوع في 'المجلس الاسلامي' بواسطة سالم جنبل, نوفمبر 23, 2010.

    • :: العضويه الذهبيه ::

    سالم جنبل

    • المستوى: 7
    تاريخ الإنضمام:
    ديسمبر 3, 2009
    عدد المشاركات:
    4,431
    عدد المعجبين:
    632
    الوظيفة:
    غير متوفر
    مكان الإقامة:
    امريكه
    خطبة الثانية:
    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر، والشافع المشفع في المحشر صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر، أما بعد:
    فإن التاريخ - غالباً - يخلد أسماء المتميزين! سواء كان تميزهم في الخير أو في الشر! فيسطر التاريخ أسماء العظماء، الذين دخلوا من أوسع بوابات التاريخ، علماء عاملين، وقادة فاتحين، وأمراء عادلين، وعباد متهجدين مجتهدين، وكرماء حلماء، أو فرسان أتقياء، ويدون أسماء آخرين برزوا في الشر، واجتهدوا في الفساد والإفساد، حتى أصبحوا أئمة يقتدى بهم في الشر! وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ (41) سورة القصص، ولله في إيجادهم حكمة.
    ومن هؤلاء قائد التجار الفجار إلى النار، صاحب الخزائن التي يعجز الرجال عن حمل مفاتيحها، فكيف بما فيها؟! صاحب الحلة الفارهة، واللباس الفاخر؛ إذ كان ينظر في عطفيه، ويجر إزاره مختالاً فخوراً، متبختراً متكبراً، خرج على قومه في زينته، خرج يتبختر بمشيته يهز أكتافه، قد أعجبته نفسه، سرح شعره، وتباهى بزينته، حتى أخذت زينته بالأبصار لأول وهلة: قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) سورة القصص.
    إلا أن أهل العلم والإيمان ينظرون ببصائرهم قبل أبصارهم؟ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ (80) سورة القصص، كانت عاقبة البغي والكبر فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) سورة القصص، عند ذلك بان لأهل الدنيا ما كان فيه قارون من غرور: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) سورة القصص.
    وفيما أخبر به نبيـنا - صلى الله عليه وسلم -: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)8.
    إن قارون في ظل طغيان المال لم يستمع إلى نصح الناصحين، ولم يلتفت إلى شفقة الخائفين إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) سورة القصص، نعم إن الله لا يحب الفرحين، لا يحب الأشرين البطرين، الذين يدفعهم الفرح إلى مجاوزة الحدود، ويخرجهم الأشر إلى العدوان، ويحملهم البطر إلى ازدراء الخَلْق، أما إن الناصحين لم يطالبوا قارون بالتخلي عن دنياه، ولا إنفاق كنوزه، بل طلبوا منه أن يوازن بين الدارين وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ثم ذكروه بأصل هذه الـنعم فقالوا: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ والمعنى: قابل الإحسان بإحسان، وبعد أن رغبوه حذروه من مغبـة عمله، فقالوا: وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) سورة القصص، فما كان جواب المتكبر المتجبر الباغي؟! قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي! قال أبو سليمان الداراني: أراد العلم بالتجارب ووجوه تثمير المال، فكأنه قال: أوتيته بإدراكي وبسعيي! وقال ابن عطية: ادعى أن عنده علماً استوجب به أن يكون صاحب ذلك المال وتلك النعمة. ا هـ.
    ولئن مات قارون فقد أبقى ذكره السيئ! فلا يذكر بخير! ولئن ذهب قارون فقد بقي له ورثة! حملوا غطرسته، وتبنوا أفكاره! اعتدوا بذواتهم! وتاهوا على الورى بما أوتوا مما لم يكن لهم في كثير منه حول ولا قوة! فلا هم اختاروا آباءهم، ولا أوجدوا أنفسهم من عدم، بل خلقهم الله من ضعف، وهم خلق لا يتماسك، فما يلبث أن يرد إلى ضعف.
    وورثة قارون باقون على مر الأزمان! وهكذا هو الإنسان بطبعه الكنود الجحود كما بين الله - تعالى-: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وإذا كان الأمر كذلك فـقَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، بل: فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ، فبسط الرزق على الكافر لا يدل على كرامته أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (49-52) سورة الزمر؛ وذلك لأن الدنيا دار امتحان.
    أيها الناس:
    ومن ورثة قارون من إذا وسع له في رزقه حمله ذلك على التمادي في المعاصي! زاعماً أنه إنما أوتي ما أوتي لكرامته على الله، والله يقول: فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ فهذا مغرور، ويقابله جاحد وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، وليس الأمر كما ظنوا، فقد نفى الله ذلك بقوله:كَلا(15-17) سورة الفجر.
    قال ابن القيم - رحمه الله -: "رد الله سبحانه على من ظن أن سعة الرزق إكرام، وأن الفقر إهانة، فقال: لم أبتلِ عبدي بالغنى لكرامته عليَّ، ولم أبتله بالفقر لهوانه عليَّ"، والمعنى: "ليس كل من وسعت عليه وأعطيته أكون قد أكرمته، ولا كل من ضيقت عليه أكون قد أهنته؛ فالإكرام أن يكرم الله العبد بطاعته والإيمان به، ومحبته ومعرفته، والإهانة أن يسلبه ذلك" كما قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -.
    ومن ورثة قارون من إذا علمه الله علماً، وشب وترعرع على نعم الله؛ كفرها وجحدها وقال: أنا عصامي، صنعت نفسي بنفسي! وقديماً قال أحد هؤلاء:
    وإني وإن كنت الأخير زمانه ......لآت بما لم تستطعه الأوائل

    فأراه الله ضعفه وعجزه على يدي طفل صغير، قال له: لقد أتت الأوائل بثمانية وعشرين حرفاً فأت أنت بحرف واحد! فبهت الذي تكبر! وانقطع الذي تجبر9!
    اللهم مُنَّ علينا بشكر نعمائك، والصبر على بلائك، ووفقنا لذكرك وشكرك وحسن عبادتك، إنك سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

انشر هذه الصفحة