جاري تحميل محرك البحث

اهلاً وسهلاً بك في مجلس الخلاقي!
لكي تتمكن من المشاركه يجب بان تكون عضو معنا تسجيل الدخول بإستخدام الفيسبوك

تـسـجـيـل الـدخـول

|| للتسجيل معنا

تقديم ديوان الخالدي (دستور الهوى والفن)

موضوع في 'د.علي صالح الخلاقي' بواسطة الخلاقي, يوليو 24, 2009.

    • :: إدارة المجلس ::

    الخلاقي
    خالد احمد علي جنبل

    • المستوى: 7
    تاريخ الإنضمام:
    نوفمبر 6, 2007
    عدد المشاركات:
    4,313
    عدد المعجبين:
    298
    الوظيفة:
    طالب
    مكان الإقامة:
    عدن - NYC
    الاسم الكامل:
    خالد احمد علي جنبل
    [IMG]
    تقديم ديوان الخالدي (دستور الهوى والفن)

    يعد الغزل من أقدم وأكثر المواضيع التي طرقها الشعراء, والمرأة هي أنشودة الحب الدائمة التي يتغنى بها الشعراء في كل زمان ومكان, والغزل يعتبر من أغراض الشعر ذات الروعة والجاذبية، وهو من أكثر أغراض الشعر العربي مداولة منذ العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث. بل إن الغزل يكاد يكون مقدمة ضرورية حتى في الأغراض الشعرية الأخرى كالمساجلات أو الفخر التي تستهل أحياناً بمقدمة غزلية رشيقة, ومثل هذه المقدمات الغزلية نجدها لدى كثير من شعراء الغزل في الأدب العربي على مر العصور .
    وفي الأدب الشعبي اليمني فإن الغزل من المواضيع الأكثر تناولاً، وتعد المرأة محور اهتمام الشعراء وقد أبدعوا في وصف محاسنها، ومن أبرزهم الشاعر الفنان الشهير يحيى عمر اليافعي " أبو معجب " الذي غلب الغزل الرقيق على معظم أشعاره وأجاد في وصف المرأة. ورغم ظروف المجتمع القبلي اليافعي, في مراحل ما قبل الاستقلال, وانتشار الفتن والحروب القبلية وشيوع الجهل والتخلف, كما هو حال بقية مناطق اليمن, إلاّ أن الشعراء الشعبيين, وجدوا الفسحة والوقت لينظموا القصائد الغزلية أو العاطفية أو ما تعرف شعبياً بـ"القصائد الخضراء" للتنفيس عن مشاعرهم الإنسانية, وكان يشجعهم على ذلك تلقف الناس لمثل تلك القصائد وتفاعلهم معها وترديدها بأصوات المطربين الشعبيين, ولعل غزليات " أبو معجب" مثال ناصع لما نقول.
    وعلى النقيض من ذلك نجد بعض الشعراء الشعبيين غير مكترثين بالغزل في أشعارهم, وهذا يرجع أساساً إما لمكانتهم الاجتماعية أو الدينية كالمشايخ والسلاطين ورجال الدين , ومن أولئك الشعراء, على سبيل المثال الشاعر الشيخ راجح بن هيثم بن سبعة شيخ مكتب يهر- أحد مكاتب يافع العشرة- الذي غلبت على أشعاره قصائد الفخر والمروءة والشجاعة والنزعة القبيلة والوطنية, أو الشاعر صالح سند الذي كرس شعره لموضوعات اجتماعية ووجدانية مشبعة بالغزل الصوفي (1). وقد يلجأ البعض إلى التخفي تحت لقب آخر,كقناع يخفي شخصياتهم الحقيقية, كما هو الحال مع الشاعر الغزلي الشهير "بن زامل" وهو كنية تخفى بها الشاعر أحمد ناصر بن هرهرة الذي ينتمي إلى أسرة سلاطين آل هرهرة, التي ترى في طرق الموضوعات الغزلية انتقاصاً لمكانتها الاجتماعية وترفاً لا لزوم له. ويمكن القول أن الغزل في الشعر الشعبي اليافعي هو امتداد لمدرسة يحيى عمر اليافعي "أبو معجب" الشهيرة في فنون الغزل التقليدي اليمني.
    ويعد شائف محمد الخالدي "أبو لوزة", الذي توفي في 31ديسمبر1998م, أحد أشهر أعلام الشعر الشعبي اليمني على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين, فقد امتلك موهبة شعرية فذة وأبدع في مختلف الأغراض وطرق مختلف المواضيع ونظم وأجاد في مختلف فنون الشعر الشعبي,الزوامل ,المساجلات, القصائد, فقد عشق الشعر وكرس له معظم وقته وليس في حياته تجربة اكبر من الشعر, حتى يمكننا القول أن شعره هو حياته وأن حياته هي شعره, وكان الغزل من أكثر الموضوعات لديه, بل إن غزلياته المبكرة – التي فقد معظمها- قد مهدت له طريق الشهرة اللاحقة. ولا شك أنه بدأ حياته شاعراً غزلياً وأن الغزل من أوَّل الموضوعات التي طرقها منذ سنوات شبابه المبكرة. ولم يكف" أبو لوزة" عن نظم غزلياته طوال حياته وحتى أواخر عمره, كما نلمس ذلك من تتبع قصائده, والتي نجده يؤرخ لبعضها خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة من حياته, أما قصائده المبكرة فنستشف تواريخها من مضامينها أو من مفرداتها التي تنبع من البيئة التي عاشها في طفولته وشبابه في يافع.
    كما نجد أن كثيراً من مساجلاته وقصائده ذات الأغراض الأخرى لا تخلو في كثير منها من مقدمات غزلية يستهل بها قصائده, منها القصيرة والمتوسطة والطويلة , بل أن بعض هذه المقدمات تصل أحياناً إلى عشرة أبيات أو أكثر وتكاد أن تكون قصيدة لوحدها.
    وأتذكر أنني منذ طفولتي وأنا أسمع قصائده العاطفية تتردد على ألسنة الكبار والصغار بكنيته الشهيرة "أبو لوزة" وكان أكثر الشعراء الشعبيين حضوراً في الأفراح والأعياد بما يصاحبها من ألوان الرقص والشعر والغناء, وأجزم أنه أبدع آلاف الأبيات الغزلية التي كان يرتجلها في ملاعب صفوف رقصات البال النسائية المصحوبة بالغناء, ولكن مثل هذه الأبيات لم تدون ولم تحتفظ بها ذاكرة الناس فذهبت أدراج الرياح,للأسف الشديد, وهي لو دونت لشكلت ديواناً كبيراً من أرق الشعر الغزلي وأعذبه. كما اشتهر بغزارة إنتاجه وجودته وفي تلقف المطربين الشعبيين لقصائده وتحويلها إلى غنائيات سرعان ما تنتشر بين جمهور المعجبين الواسع. ورغم كثرة قصائده الغزلية الكثيرة, فأنها لم تنشر حتى الآن مجتمعة في ديوان, وها نحن نقدمها في هذا الديوان, الذي يشمل مُعظم غزلياته التي تيسر لنا جمعها من سجلاته الخاصة ومن أشرطة كاسيت لعدد من المطربين الشعبيين, وقد وجدنا أن كثيراً من غنائياته التي تعود إلى مراحل ما قبل السبعينات غير مدونة, ناهيك أن الكثير مما قاله في بداياته المبكرة لم يصل إلينا. وقد حرصنا على تقديم هذه الغنائيات حسب أبجدية قوافيها ليسهل لنا وللمهتم متابعة هذه القصائد, ومعرفة ما لم نتمكن من إدراجه في هذه الطبعة, والسعي للحصول عليها بمساعدة المهتمين والمعجبين بشاعرنا الكبير "أبو لوزة" ممن تحفظ ذاكرتهم مثل هذه الأغاني أو في أشرطة التسجيل القديمة بأصوات أكثر من مطرب شعبي, مثل سالم سعيد البارعي وعلي سالم بن طويرق وصالح سالم بن عطاف والسيد محضار وغيرهم.
    لقد اشتهر الخالدي أكثر في العقدين الأخيرين من حياته بمساجلاته الشعرية الساخنة والحادة مع حشد من ألمع فرسان الشعبي اليمني, حتى كاد البعض يعتقد أنه مقلا في الموضوعات العاطفية الغزلية, وهو ما يخالف الواقع الذي نثبته من خلال تقديم هذا الديوان الزاخر بأرق وأعذب قصائد الغزل, التي كان لها رواجاً- فاق شهرة المساجلات- في الفترات التي تعود إلى ما قبل الاستقلال والسنوات اللاحقة. وأجزم أنه من أكثر الشعراء الشعبيين المعاصرين غزارة في هذا الباب, وأكثر من غنى له المطربون الشعبيون مقارنة بمعاصريه من الشعراء.

    نظرة عامة في غزلياته
    إن " أبو لوزة" في شعره بشكل عام, وفي غزلياته بشكل خاص, مليح الشعر, رقيق الطبع, حسن المعاني, وتفصح قصائده العاطفية عن مكنون نفسه, وتيسر لنا التعرف على فيض مشاعره, وهي تنبض بالصدق وتتألق بالفن الجميل ومزاوجة الألفاظ بالمعاني وارتعاش القوافي في تناغم موسيقي بديع يشنف الأذن ويطرب النفس, ولا غرابة في ذلك فمعظم غنائياته نظمت خصيصاً لتغنى وتردد بألحان شعبية أصيلة, وقد يكون الشاعر نسج بعضها على نغمة موسيقية أو لحن معين أسره بإيقاعه الجميل أو تأثر بالشائع والسائد من الألحان الشعبية أو التراثية التي يطرب لها عامة الناس, وهذا لا ينطبق فقط على غزلياته بل وعلى كثير من قصائده الوطنية والسياسية قبل وبعد الاستقلال, ومن يقرأ أو يستمع إلى غزلياته يجد نفسه مأسوراً بلغته السلسة الممتعة :


    الخالدي قال وا مولى الجَعِيْد الخُماسي **** بس الجفا بَسْ بَسْ
    ويلك من الله كم لي بذكُرَكْ وأنت ناسي**** أحَّوْه منَّك وحََسْ
    كم لي وأنا صيح من هجرك وكم ذي بقاسي**** من باطلك والحَمَسْ


    وللشاعر مفهومه الخاص في تحديد مفهوم الحب وماهيته, (انظر قصيدتيه" للحب عندي كتاب" و" دستور الهوى والفن") فقد لخص فيهما تجاربه وتجارب غيره من المحبين.فالحب كما حدده ليس بضاعة تباع وتشترى ولا دعاية يُروج لها عُشاق الشارع ممن يترصدون الفاتنات, و إنما هو شعور خاص يسكن قلوب أهل الهوى, ولعل لكل إنسان مفهومه الخاص عن الحب وأسراره قد لا نجده عند معظم الناس, وقد أبدع "أبو لوزه" في هذا الغرض ونجد في غزلياته المعنى الجميل و الوصف البديع و حسن السبك وانتقاء الألفاظ المعبرة.
    يقول ميخائيل نعيمة: "من استيقظت عواطفه وأفكاره وتمكن من أن يلفظها بعبارة جميلة التركيب, موسيقية الرنة,كان شاعراً, إذ أن العواطف والأفكار هي كل ما نعرفه من مظاهر النفس, فالشعر إذن هو لغة النفس, والشاعر هو ترجمان النفس". وأشعار الخالدي بشكل عام, وعلى الأخص غزلياته, هي من ذلك النوع الذي ما أن تقرأه أو تستمع إليه مرة واحدة حتى تستأنس له وتجد نفسك مدفوعاً بتلقائية للعودة إليه مرات ومرات, تنهل منه دون ارتواء وترتشف منه ارتشافة العطشان وتطيب نفسك لسحر معانيه وجمال لفظه ورنين موسيقاه, وتشعر وأنت تقرأه وكأنه ترجمان نفسك وأحاسيسك العاطفية. ولهذا راجت غزليات "أبو لوزة" منذ سنوات شبابه وكان الشاعر الغزلي المتألق الذي يردد الجميع قصائده ويطربون لسماعها نساءً ورجالاً.


    صورة المرأة في شعره
    لم ينفرد الخالدي بوصف جسد المرأة , بل اتبع طريق أسلافه القدامي , الذين رسموا صورة حسية لأدق تفاصيل جسد المرأة ووصف مفاتنها وجمالها الأنثوي الظاهر. وغزل الخالدي مألوف, حسي في وصف مفاتن ومحاسن المرأة, عذري أو عفيف, لا يدل على أنه شغف بامرأة بعينها, لأن المجتمع القبلي الذي نشأ فيه والتقاليد المحافظة لا تجيز ذلك, وهو يراعي هذه القيم ولا يحاول المساس بها , لذلك فأن الشاعر لا يتعرض لاسم حبيبة معينة, ويكتفي بذكر صفاتها أو الإشارة إليها بالكنايات المجازية أو بضمير المخاطب أو الغائب, أو التلميح من خلال موطنها, الذي هو في الغالب موطن الشاعر ذاته, وقد يذكر مواطن محددة , كيهر , حمرة , جبل لمطور, فلاحة , حمام شرعة ... الخ , وحين يذكر هذه المواطن لا يذكر اسما معينا,بل أنه يتغنى بجمال النساء بشكل عام في تلك المواطن, وقد يقدم وصفاً للمرأة من نسيج خياله. وليس لحبه حدود معينه, فهو يعشق الجمال أينما وقعت عليه عيناه, ولا يستبعد أن بعض هذه الغزليات لم تخل من تجارب الحب الصادق التي مر بها الشاعر, لكنه في معظمها سار على مذهب شعراء الغزل الذين درجوا عليه في وصف الحبيبة من بنات أفكارهم.
    إن شعره الغزلي يذوب رقة ويميل إلى العفة ويفيض بالعواطف الصادقة, ويرجع ذلك إلى البيئة اليافعية وطبيعتها الساحرة التي أثرت على شعره, ثم البيئة العدنية التي يبدو تأثيرها واضحاً. فغزلياته في مجملها مستوحاة من هاتين البيئتين, وهو لا ينحرف عن العفة والشرف والخلق الرفيع. ولا بد أن نعرف أن المرأة في المجتمع اليافعي إلى ما قبل عقدين من الزمن كانت تتمتع بحرية كبيرة في الحركة ومشاركة الرجل في كثير من الأعمال وفي الأفراح العامة, حيث تظهر بكامل زينتها في الأعياد والزواج وتشارك في الرقص والغناء في مسارح مكشوفة, وكان التغني بجمال النساء ظاهرة مألوفة لدى الشعراء, ويتقبلها المجتمع بعين الرضا, ومن هنا نفهم ملامح الصور الواقعية التي يقدمها الشاعر للمرأة. ففي مطلع حياته الإبداعية المبكرة في شبابه نجد في شعره صورة المرأة بزيها التقليدي ومساحيق الزينة التي تزين بها وجهها كما في قصيدة ( يا طارح الندَّه ) وتصويره لجمال زينة الوجه, كما في قوله ( ذريره فوق خدَّه) والندة والذريرة من مساحيق الزينة, أو وصفه لمسحات البوردة وما تضعه المرأة من مسحوق (الحُسن) الأحمر .
    إن غزليات "أبو لوزة" تعكس ثقافته المستمدة من محيطه القبلي"اليافعي" ثم المحيط الوطني الأوسع, التي كانت تلخصه بكثافة مدينة عدن منذ انتقاله إليها في ربيع شبابه وارتباطه الحميم بها, فقد كان لها الدور الأكبر في تطور ونمو ثقافته ونسيج معارفه وفي نضوج وعيه الوطني وتنوع روافد ثقافته من خلال تعرفه واطلاعه على نماذج من الأدب العربي وتأثره الواضح بتجارب شعراء الغزل, الذين لم تخل تجارب حبهم من الجوانب الحسية, ونجده يستشهد بتجاربهم أو يشبه حالته بحالتهم في أكثر من قصيدة كقوله:


    خلّيِتني مثل قيس العامري مجنون *** في حُبْ ليلى وليلى غير مجنونه
    سَلَبت عقلي برمشات السَّبَل والنون ***وأعيان كحلاء وقامه حلو موزونه


    كما تأثر" أبو لوزة" بأستاذه يحيى عمر وسار على دربه في كثير من غزلياته وتأثر به دون شك, خاصة وأن الناس في محيطة يحفظون غنائيات يحيى عمر ويرددونها باستمرار, وقد حفظ الخالدي الكثير من غزليات يحيى عمر, ودونها بين مخطوطاته بخط يده, وتأثر بها ونسج على منوالها بعض قصائده, وتكاد قصائده – كقصائد يحيى عمر- لا تخلو من وصف المرأة ومفاتنها, بل نجد في بعض غزلياته مفردات وصور وصفية ترسم فيها خطى "أبو معجب",لحناً ومفردات وقوافي, ففي قصيدته " وا عين انعسي" التي تعود إلى العام 1961م. نجد هنا تقارباً كثيراً مع قصيدة يحيى عمر " غزال اليفرسي" التي يقول فيها:





    والجَعْدْ لَسْوَدْ على أمتانه سِلُوس *** مُشَرْكَسْ اَرْكَسْ عَذَبْ متدامسي
    وحاجبه مثل ما ضوء الشموس *** والبدر يمسي عليها حارسي
    وأعيان حمراء كما جَمْر اللَّهُوس*** وحَوْمهن بالكُبيدة يلْعَسِي
    والأنف خنجر لقطَّاع الروؤس *** بيَدْ شاجع ذكي متقنسي
    ومَبْسَمه مثلما برق الغلُوس *** سقوا بها أطيَان كانت يابسي
    وأسنان بيضاء وقايسهن قيُوس *** سُبحان من للأمور مُقايسي


    ----------------------------
    (1) انظر: شاعر الحكمة.. صالح سند"خير من نشد" إعداد: د.علي صالح الخلاقي, مركز عبادي للدراسات والنشر,صنعاء,2006م.
    • :: إدارة المجلس ::

    الخلاقي
    خالد احمد علي جنبل

    • المستوى: 7
    تاريخ الإنضمام:
    نوفمبر 6, 2007
    عدد المشاركات:
    4,313
    عدد المعجبين:
    298
    الوظيفة:
    طالب
    مكان الإقامة:
    عدن - NYC
    الاسم الكامل:
    خالد احمد علي جنبل
    رد: تقديم ديوان الخالدي (دستور الهوى والفن)

    [FONT=&quot]ومثل هذا التأثير نلمسه حتى في قصائده المتأخرة , ففي قصيدة "صادفت حوري وحور" التي نظمها في عام 1991م يصف الخالدي فاتنته وكأنها (حورية) خرجت لتوها من الجنة يحيط بها طابور من الخدم[/FONT][FONT=&quot]والحشم والوصيفات اللواتي توزعن لخدمتها وتسريح شعرها وتخضيب كفيها ورشها بالعطور ومسامرتها وتنفيذ أوامرها, وهذا يذكرنا بما ورد في قصيدة "أبو معجب" (للعشقة فنون) التي يقول فيها:
    هَا بَعْدْ يا من جَمَالك لا يهُون *** يا سَمْهَلِي يَا هَلِيْ حُسْنَك دَهَشْ( 1)
    يا من جعيدك لـه أرْبَعْ يِنْسَعُون *** وأربع يلفُون جَعْدَكْ لا انْتَفَشْ(2 )
    وأرْبَعْ يصُفُون و أربع يرصُفُون *** وأربع يرشُّون لك بالعَطر رَشْ
    وأربع يِحَنُّون وأربع يحْجِرُون *** وأربع يقولون قُمْ سِيْدِيْ تِمَشْ
    وأربع يجيبون في المَبْخَرْ دخُون *** وأربع ينادون لك مثل الشُوَشْ
    وألفين وأربعمائة ذِيْ يخدمون *** هندي وسِنْدِي وجُملتهم حَبَشْ

    وبشكل عام فأن عناصر غزليات الخالدي هي ذاتها لدى غيره من الشعراء الشعبيين, منها الشكوى من الصد وشدة الشوق والصبابة للقاء والمعاناة من الهجران. وتبرز لنا صورة المحب في غزليات الخالدي وفقاً وواقع الحال الذي تعبر عنه هذه القصيدة أو تلك. فهو في بعضها العاشق الوفي في حبه والمخلص لمحبوبته التي تقابله الوفاء بالجفاء والوجد بالصد, وتظل مع ذلك شريك الروح , بل وأقرب الناس إلى قلبه وروحه( (انظر "من حب صاحب تقرب").
    لقد ظل "أبو لوزة" يعشق الحسن والجمال وينبض قلبه بالحب ويتغنى بمفاتن الحبيبة، والتذلل لاستعطافها، وهو لم يشذ عن المألوف في الغزل لدى غيره من الشعراء، حيث يكون المحب في صورة إنسان ذليل، وهذا التذلل ليس عن خوف أو فزع , وإنما بغرض التقرب منها والتأثير عليها وكسب عطفها وصولاً إلى الفوز بقلبها,و لا ضير أو عيب في الخضوع أو التنازل للحبيب أحياناً وقت الحاجة(العَوَز) والمثل الشعبي يقول" ضرب الحبيب مثل الزبيب" وهذا هو ديدن شاعرنا نحو الحبيب, أما الخصم أو العدو فلن يجد منه إلاَّ العصا(الصميل) كما في قصيدته" يا ساج العيون الكحيل", ولكن شاعرنا لا يتذلل كثيراً أمام عنت الحبيب ولا يقبل البكاء والتوجع بغرض استجداء عطفه, بل إنه يبدو معتزاً بنفسه, كما في قوله:

    با سايرك بالَتي والصبر يا سيسباني *** وكل شي با يبان
    مَخْضَع لمثلك وانا مَخْضَعْ لقاصي وداني *** عَيْب الله المستعان
    ما يخضع الحُر مثلي لا ولا للغواني *** ما يخضع الاّ الجبان

    ولكثرة غزلياته واختلاف ظروف إبداعها الزمانية والمكانية, فأننا نقف أمام أوصاف متنوعة, لا تستقر على حال, لكنها إجمالاً تتسق مع المراحل التي مر بها في حياته وإبداعه, وتستجيب للذوق العام,ويغلب على غزلياته الوصف الحسي للحبيب, الذي يعد محط اهتمام الكثيرين من معاصريه، مع نصيب للوصف المعنوي. ورغم كثرة ذكر الأوصاف الحسية وذكر المحاسن الجسدية للمحبوبة فأن شاعرنا "أبو لوزة" بملكته الشعرية وبصيرته النافذة جعله يذكر هذا كله بأسلوب رقيق بعيداً عن التصريح أو الفجاجة التي يمجها الذوق ولا يستحسنها المجتمع. وقد نأى في غزلياته عن وصف المغامرات الحسية أو ليالي الوصال , وأن ورد ما هو قريب من ذلك فهو من صنع خياله, ومعروف أن الشعراء, بصورة عامة, يقولون ما لا يفعلون.
    وقد ركز شاعرنا عند تصويره للحبيبة على وصف أجزاء معينة في جسدها تمثل أكثر مواطن الفتنة والجمال الأنثوي, ويحفل شعره بوصف جاذبية المحبوبة وجمالها الساحر ونظراتها الآسرة.
    فقد وصف "أبو لوزة" إطلالة الحبيبة وصور ظهورها أكمل تصوير , فهي كالبدر في ظهورها عليه أو كالغزال حين تسير أمامه أو الباشة المحاطة بالحاشية, وأعطاها صوراً متعددة, وكان القوام الذي ينشده هو النحيف الأهيف أو كالغصن يتمايل. ولم يشذ الخالدي عن بقية الشعراء الشعبيين في التغني بالمرأة البيضاء اللون, فهي الأقرب إلى قلبه , وهذا ما ينطبق أيضاً على واقع الناس في محيطه, فالمرأة اليافعية على قدر من الحسن والجمال بشكل عام, واللون الأبيض هو الغالب عليهن. وحظي الوجه بنصيب وافر من الوصف , لأنه الجزء الأهم الذي يعبر عن المرأة ويعكس صفات الجمال لديها بكل ما فيه من الشعر والعينين والأنف والفم . فالشعر الأسود الكثيف والطويل هو الذي تعارف الناس على تفضيله , والشاعر يأسره الشعر الأسود الطويل الناعم وهو حسب وصفه (الجعد الحبيشي) أي الشعر الملتوي الكثيف. أما العين فهي أول ما يلفت الانتباه في المحبوبة , وهي البوابة إلى القلب, وقد شاع في الأدب العربي بشكل عام التغني بالعيون السوداء, ونجد أن شاعرنا يفضل كذلك العيون السوداء(الكحيلة) أي المزدانة بالكحل لأنها تبدو أكثر جمالاً , وقد يصف العين بالحمراء القاتلة، وهو وصف مبالغ فيه يقصد منه التعبير عن مدى انبهاره بجمال العين الذي أحس به وكان له أثر الصاعقة، أو يطلق عليها( أعيان كهرب) أو يشبهها ببرق الدجى حين يلمع في الظلام. أما الأنف أو (النخر) فهو خنجر وحدَّه يسنَّ لقطاع الرؤوس ,أو يقتل عاشقه من غير ذنب, ويصف الفم بما فيه الأسنان البيضاء التي تضيء في الظلام (الحنتلوس) أي الحالك, والشفتين أو المبسم كحد الماس,وقد يصف الريق في الفم ويشبهه بطعم العسل, أما العنق فمثل الغزال أو الطاووس أو الرمح ,كناية عن طول العنق المحبب لديه. ونجد أن الصدر والنهد يرتبطان في وصف الشاعر ببعضهما, فحين يذكر الصدر فإنما يشير بصورة غير مباشرة إلى النهدين أو العكس. والشاعر يشبه الصدر بحقل يزرع فاكهة وأبا أو حديقة محملة بالفاكهة أوقد يشبه النهد بالسفرجل. ولولا خشية الإطالة لأوردت الكثير من الاستشهادات من شعره, ومع ذلك فسيجد القارئ عبر الإبحار في متن هذا الديوان الشواهد والأمثلة على ما ذهبنا إليه.


    هجر الحبيب

    لا شك أن "أبو لوزة" كان في كثير من قصائده العاطفية والغزلية لا يعبر عن ذاته فحسب, بل يعبر أيضاً عن هموم عامة في محيطة الاجتماعي,فقد صور بصدق مشاعر الآلاف ممن وجدوا أنفسهم يهجرون موطنهم وأهلهم وأحبائهم بسبب الاغتراب الاضطراري الذي تفرضه ظروف الحياة, وقد اشتهر اليمنيون عامة واليافعيون خاصة بالهجرة في أصقاع الأرض فأرضهم الجبلية طاردة لقلة المحصول الذي تعطيه المدرجات الزراعية وكثافتهم السكانية, وكان يصور في كثير من قصائده العاطفية مشاعر ومعاناة الرحيل والهجر للحبيب, سواء على لسان المرأة أو الرجل لأن المعاناة واحدة, وكان الكثيرون يجدون في هذه القصائد سلوتهم لأنها تصور فيض مشاعرهم وتعبر عن خلجات أنفسهم وتلامس آلام ومعاناة الفراق التي تكوي جوانحهم, وتصور الفرحة المنشودة للقاء الحبيب، وتحفل بوصف جاذبية المحبوبة وسحرها ونظرتها وقوة أسرها وترقبها للقاء الحبيب الغائب في مهجره، فها هو في قصيدة له يحاور العين الباكية عن سبب انهمار دموعها الحرّى, فتجيب العين بالقول:

    قالت العين بكَّاني فراق الحبايب *** من فرق صاحبه يا مِحْنته يا عذابه
    أيش من نوم أو راحه يراها مناسب ***ذي تنسِّيه محبوبه وينسى عتابه

    وفي قصيدة أخرى يسجل, بكلمات صادقة, ما يمكن أن يقوله آلاف الذين هجروا أهلهم وأحبائهم -على كبر سنهم- إلى مختلف الأقطار طلباً للقمة العيش, فها هو يصور معاناتهم وحنينهم للقاء شريك الروح:

    كلفني الوقت با أتغرَّب وأنا شايب *** با فارق أهلي ودمعي عالوجن مسكوب
    وأطفال ما ليله أمسي منهم غائب *** يحن قلبي عليهم ما تحن النوب
    وأنته كذا يا شريك الروح والصاحب *** يصعب عليَّا فراقك والكبد ملهوب

    وفي قصيدة أخرى يقول إن عينيه بكت من فقد الحبيب ليلة واحدة فقط, فما بالكم بمن له سنين وشهور بعيداً عن الحبيب؟!. كما يعبر عن آلام الغربة التي تمتد لسنوات بلسان المرأة التي يتقمص شخصيتها طائر أخضر يخاطب الرياح العابرة علَّها تأتيه بخبر من الحبيب الغائب بقوله:

    يا ريح جَلاّب بشرني*** نسِّم على قلبي المضطر
    هو شي معك لي خبر صافي*** والاّ رساله من المَهْجَرْ
    شُف صاحبي غاب من عيني*** ولا ذكرني ولا اتخبَّر
    ثلاثه أعوام له غائب*** ولا فقدني ولا تذكّر


    وخلاصة القول إن " أبو لوزة" شاعر غزلي عذب ورقيق, وظل الغزل من أهم وأغزر الموضوعات الشعرية التي طرقها منذ شبابه المبكر وحتى عام وفاته،ورغم النمط التقليدي المألوف الذي اتبعه في بعض غزلياته, نجد أنه قد أبدع وجدد في كثير من قصائده الغزلية التي نحى بها منحى خاص به, وأطلقها من أسار التقليد وقيوده وانطلق بها لتبدو أكثر أناقة ورشاقة, بعيداً عن الاستهلال الذي لا صلة له بمضمون القصيدة ونوِّع في قوافي البيت الواحد المكون من ثلاثة أو أربعة أشطر, ومثل أستاذه يحيى عمر استلهم الألحان الشعبية اليافعية الأصلية ورفدها بزخم جديد, كما نسج بعض غزلياته على إيقاعات الألحان الشائعة متجاوباً مع ذائقة المتلقين. ونجد في غزلياته عاطفته الصادقة وفيض مشاعره وأهواء نفسه وشجونها ووصف معاناة الفراق والهجر والصد وأشواق اللقاء وحرارته واحترام العلاقة بين العاشقين. وقد نظم معظم قصائده على قافيتين للبيت الواحد في الصدر والعجز, كما في معظم أشعاره ومساجلاته, وهو ما يلتزم به معظم الشعراء الشعبيون ويميز الشعر الشعبي اليافعي عامة.
    إن هذا التقديم إضاءة فقط لجوانب من اهتمامات الشاعر في هذا الاتجاه, ونأمل أن تلقى هذه الغزليات عناية من قبل الفنانين والمطربين الشعبيين ليستمتع بها جمهور المحبين والمعجبين بشاعرنا الراحل "أبو لوزة".
    وأخيراً أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكل من قدم لي العون والمساعدة في جمع محتويات هذا الديوان من مصادر مختلفة، وفي المقدمة أسرة الشاعر الكبير "أبو لوزة" التي وضعت أرشيفه الشعري بين أيدينا، والشكر موصول لرجل الأعمال الصديق الشيخ قاسم ثابت العيسائي، الذي يعد نموذجاً للوفاء لصديقه "أبو لوزة" في حياته ومماته، ويتجسد هذا الوفاء باهتمامه وحرصه وتشجيعه لنشر أعمال شاعرنا الكبير.
    وتحية خاصة تسجل للصديق الشاعر القدير محمد منصر الوردي مدير منتدى يحيى عمر الثقافي الذي يعمل بدأب وبصمت ويحفر بأظافره في صخر الجمود الثقافي بهدف إعادة الروح للمنتدى وتفعيل نشاطاته الأدبية والثقافية، ويأتي صدور هذا الديوان خطوة على هذا الطريق.

    -------------------------------
    [FONT=&quot][1][/FONT]-سمهلي: وصف للمرأة الجميلة. دهش: من الدهشه.
    [FONT=&quot][FONT=&quot][2][/FONT][/FONT]-ينسعون: يسرحون. جعدك: شعرك.

انشر هذه الصفحة